ثقافة الرعية: حال الثقافة .. وكأنه لم يحدث شيء ..!
عندما تنظر إلى مبنى وزارة الثقافة الواقع فوق ساحة عدنان المالكي وسط منطقة راقية لم تتأثر بكل ما حدث في سوريا من عنف وقتل وتدمير وتشريد، يتراءى لك وكأنّ المشهد الثقافي السوري بألف خير، لكن ما أن تدخل ذاك المبنى حتى تكتشف أنّ الثقافة السورية مُهترئة من الداخل لدرجة التعفّن.
وزارة عمرها أكثر من ستين عاماً، دور ومراكز ومسارح تبدو وكأنها هياكل حجرية دون روح، ودون معنى، حيث أنّها ما زالت تجتر الماضي بنفس السياسة والعقلية المتخلفة إدارياً وثقافياً، وربّما تعيش في عصر الديناصورات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وما يلفت النظر داخل المبنى وجود عبارات مَكتوبة على جدران بعض الحيطان، من قبيل (ترعى وزارة الثقافة الإبداع والمبدعين) و(ترعى وزارة الثقافة التراث المادي واللامادي)، وأول ما يتبادر لذهن القارئ عندما يقع نظره على كلمة (ترعى) السؤال التالي. فهل يُعقل أنّ جميع المثقفين الجالسين في ذاك المبنى عاجزين عن إيجاد مصطلح غير (ترعى) ربّما يقصدون به الرعية، أو أنّ الناس خراف ثقافياً وهي من تراعهم، أم أنّ عقلية المرعى والراعي ما تزال هي المسيطرة والقصد إخضاع الرعية أو الرعاع وتنميط تفكيرهم إن لم نقل اجتثاثه أصلاً.
سنوات من عمر الأزمة / الحرب السورية، ولم تُقدم وزارة الثقافة أيّة مبادرة ثقافية على مستوى الجغرافيا السورية، ولا على مستوى قطاعي حتى، وما زال المنتج الثقافي دون المستوى المطلوب في ظل هجرة الكثير من المثقفين السوريين، وفي ظل دوران الثقافة السورية في حلقة مُفرغة تصدر جعجعة ولكن دون طحين.
واليوم ما زالت الوزارة تُدار بنفس العقلية، حيث أقامت أمس مهرجان دمشق الثقافي المليء بالخطابات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تحرك الركود الثقافي المستعصي منذ عقود، الأمر الذي يستلزم إعادة النظر بالسياسات الثقافية من مُنطلق أنّ الثقافة نمط حياة وأسلوب تفكير، خصوصاً بعد الأزمة / الحرب التي شوهت الثقافة، وشتت الهوية السورية، وأفقدت المشهد الثقافي السوري فاعليته، إن كان فاعل اساساً.
ولربّما حان الوقت لتنتج وزارة الثقافة رؤية ثقافية جامعة عبر آليات واضحة تُحوّل الثقافة إلى عنصر رئيسي للتواصل بين الناس وتجعل الثقافة رافدا اقتصاديا لتحسين معيشة المواطن، بدلاً من بقائها وزارة هامشية لا يسمع بها أحد، ولا يحس بوجودها إلا فيما ندر.
المصدر: خاص
شارك المقال: