سودانيون في سوريا.. شاركوا السوريين مرارة الحرب ولقمة العيش
خاص/ حسن سنديان
"فقدت والدي في الحرب السورية.. لكن بالرغم من ذلك أرى نفسي مذيعة أخبار.. ما يميزني أن بشرتي سمراء وجميلة".. بهذه الكلمات اختصرت الشابة السودانية المولودة في دمشق " مانويلا شارلس فاقان" شعور الخسارة والتفاؤل في آن واحد، وحلمها الذي لا يراه إلا هي في بلدٍ ربما لجأت إليه كمأمن من الاضطهاد التي كانت تعانيه في مسقط رأسها السودان. هذا البلد أيضاً "سوريا"، يحرمها من أي حقوق بالرغم من أنها ولدت في العاصمة دمشق، وربما خسارتها التي لا يستطيع أي طرف تعويضها عنها.
"مانويلا 22 عاماً" أو "إيما" كما يلقبونها أصدقائها، تنحدر من قبيلة في أعالي النيل جنوب السودان تسمى "شلك"، تعشق الموضة والأزياء، عندما تقلب صفحتها الشخصية على "فيسبوك" ترى مزيجاً معاصراً للألبسة التي تعرضها، لكن الجميع يعتقد أنها "فاشينيستا".. "إيما" ترد بالقول: «أنا لا أطمح أن أكون عارضة أزياء بل أعشق الموضة أرها جداً تعبر عن جمال بشرتي السمراء الداكنة، وهو نوع من الرد على أساليب التنمر التي أتعرض لها يومياً»، مضيفةً «عندما يرى بعض الأشخاص في المجتمع صوري على وسائل التواصل ينهالون بالانتقادات الجارحة كالتنمر وغيرها من الأساليب لا أريد أن أذكرها، بل أنا أريد إيصال رسالتي من خلال عرض الأزياء والإعلام».
عندما تمر من أمام حديقة "القشلة" في دمشق القديمة، ترى على حافتها من الخارج، تجمعات لشبان وفتيات من ذوي البشرة السمراء، يتناقشون في مختلف الأحاديث ولهم طقوسهم الخاصة، من بين هؤلاء يجلس الشاب السوداني " دينار فيليب 23 عام " المنحدر من منطقة أم درمان، التي تتعرض لاضطهاد من قبل السلطات السودانية، تراه يجلس على حافة الحديقة من الخارج يتأمل المارة، كي يخطط لتصميمه الجديد عبر الصورة الفتوغرافية التي يريد التقاطها، تصاميمه تعبر عنه تماماً وعما يجول في داخله من طموح وكسب فرصة في البلد الذي لجأ إليه، يستطيع من خلالها إيصال رسالته إلى المجتمع الذي يعيش فيه».
اضطهاد وقمع حريات في السودان.. وحقوق ضائعة سوريا؟
مانويلا وفيليب، السودانيين الدمشقيين، لجأ أهلهما إلى سوريا عقب استلام عمر البشير الحكم في انقلاب عام 1989، الذي أراد تطبيق الشريعة الإسلامية، ومنع بناء الكنائس والتطهير العرقي والمضايقات الأمنية ضد رجال الدين المسيحيين، لكن الأمر الذي "زاد الطين بلة" بعد انفصال السودان عام 2011، زاد نطاق التعسف والتضييق على الناس، وخصوصاً على مسيحيي البلاد، لأن الحكومة استخدمت الدين الإسلامي أو "الإسلام السياسي" لسنوات طويلة في محاربة "الجنوب"، وأعطت الصراع السياسي طابعاً دينياً، ما أدى إلى موجة نزوح كبيرة إلى عدة بلدان عربية، كانت سوريا إحداها، التي تنعم في ذلك الوقت بالانتعاش الاقتصادي وحرية المعتقد، لكن اليوم اختلف الوضع تماماً، بعد حرب دامت لــ 10 سنوات طالت الاقتصاد والبنى التحتية للبلاد.
لكن بالرغم من ذلك تعاني "مانويلا" كفتاة حاملة الجنسية السودانية في بلدٍ يحرمها من أبسط حقوقها ألا وهو التعليم، تقول «نجحت في البكالوريا وكان حلمي الإعلام، لكن أنا أعامل معاملة الأجنبية في سوريا، حرمت من دخول هذا الاختصاص لأني وبالرغم من ولادتي في دمشق لا أعامل معاملة السوري بل يجب أن أدفع آلاف الدولارات كي أدخل الجامعة».
"دينار" يتميز عن "مانويلا"، بأنه استطاع أن يدخل اختصاص هندسة معلوماتية في جامعة دمشق، لكن وفاة والده حرمته من متابعة دراسته، لأنه المعيل لأهله، وقرر البحث عن عمل مقابل التخلي عن جامعته التي يدفع لها مبالغاً طائلة.
سودانيون شاركوا السوريين مرار الحرب ولقمة العيش.
فقدت "إيما" والدها في بداية الحرب بسوريا، تروي لنا مشاعر الخسارة في سن كانت بأشد الحاجة فيه إلى سند والدها: «كنا نسكن في منطقة الدخانية بالقرب من العاصمة دمشق، خُطف والدي في بداية الحرب وإلى هذا الوقت لا نعلم شيئاً عنه».. يشبهها في المعناة صديقها "دينار"، الذي فقد والده أيضاً لكن ليس بسبب الحرب، القاسم المشترك بين "دينار" و"مانويلا"، لقمة العيش والحلم فلجوئهما إلى سوريا لم يكن سوى معاناة من نوع آخر وهو الحلم الضائع في الحرب، والبحث عن عمل لتأمين حياة كريمة.
هؤلاء الاثنين كغيرهم من السودانيين والعراقيين واللبنانيين المقيمين في سوريا، يعانون ربما أكثر من السوريين في ظل الوضع الاقتصادي الذي ينهك البلاد، أبسط الأمثلة أنه لا يحق لهم شراء مواد غذائية مدعومة من الحكومة، ربما بالنسبة لهم توفر شيء من الغلاء الفاحش، كتوفير ربطة خبز أرخص من السوق وغيرها من ذلك، حتى القرارات البسيطة لا تشملهم في هذا البلاد. ناهيك عن استغراب المجتمع من وجودهم بينهم، مفضلين الحكم على المظاهر فقط، فالكثير من السوريين يعتقدون أن الشبان والفتيات من ذوي البشرة السمراء الموجودين في سوريا أتوا فقط للدراسة، لا بل هم من المجتمع السوري ويشاركونه المعاناة.
المصدر: خاص
شارك المقال: