"قسد" و "داعش".. حلم الدولة ومأسسة الوجود

خاص
لا تختلف قوات سوريا الديمقراطية في نشأتها عن تنظيم "داعش"، وليس من الغريب على الطرفين الذين يتقاسمان حلم الدولة بإختلاف مسمياتها، أن يعملان بذات النهج على مأسسة هذه الدولة ومحاولة فرضها بفعل الأمر الواقع، وإن كان تنظيم "داعش" قد خسر الدعم الأمريكي بعد ان أفرط في "صناعة التوحش"، الذي حاول من خلالها تدجين السكان المحليين للمناطق التي سيطر عليها، ما أوجب على واشنطن التخلص منه، فإن "قوات سوريا الديمقراطية"، تحاول بناء دولتها الزاعمة للديمقراطية كواجهة عريضة لصورتها في وسائل إعلام غربية، فإنها لا تختلف كثيراً في الممارسات التي فعلها تنظيم "داعش".
"قسد"، التي تضع كلمة "ديمقراطية"، في اسمها، تحاول من خلال ما تسميه بقانون "واجب الدفاع الذاتي"، أن تلزم الشبان القاطنين في مناطق وجودها على الالتحاق بصفوفها، لتكوين جيش قادر على مواجهة التهديدات التركية، كما إنها تحاول من خلال جملة من المؤتمرات أن تتحول إلى قيادة المعارضة الداخلية، ومع الأسف فإن أصواتاً معارضة في الداخل لا تجد حرجاً في الدفاع عن المنادين بالإدارة الذاتية وفدرلة سوريا، وفي أكثر من مناسبة تجد "قسد"، من يبرر تصرفاتها وممارساتها، كمثل تبرير دخول الصحفيين الإسرائيليين إلى المنطقة الشرقية، بأن "قسد"، لم تعلم بهويتهم الحقيقة، على الرغم من إن القائد العام لهذه الميليشيا ظهر ليدافع عن فكرة وجود إسرائيل في أحد التقارير الذي بثته القناة العاشرة الإسرائيلية.
وإن كان تنظيم "داعش"، حرص خلال فترة وجوده في سوريا على إظهار ما ينجزه على أرض الواقع من خدمات لمؤيديه، فإن "قسد"، تمتلك عدد كبير من المنصات الإعلامية، بما في ذلك عدد من القنوات الفضائية الناطقة بالكردية والعربية، وتحاول من خلالها زعم إن "الفدرلة"، مطلب شعبي لسكان المنطقة الشرقية، علماً إن السكان يواجهون الرصاص الحي من قبل ميليشيا "الآسايش"، حين خروجهم في مظاهرات تطالب "قسد"، بوقف عملية تهريب النفط الخام إلى إقليم شمال العراق، والأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال التركي في ريف حلب الشمالي الغربي، كما إنها تهمل وبشكل متعمد الخدمات في المناطق ذات الطابع العشائري، وتعرقل أي محاولة من قبل الهلال الأحمر العربي السوري للوصول إلى المناطق المنكوبة أو المتضررة بفعل الأمراض أو الحرائق أو الفيضانات لتقديم المساعدات الإنسانية، ولا تخجل "قسد"، من توجيه تهم من قبيل "التعامل مع داعش - التعامل مع النظام التركي"، لكل من يعارضها، حتى من الأكراد.
بالذهاب نحو الممارسات "الديمقراطية"، المزعومة من "قسد"، فقد تكتمت على مصير من كانوا ضمن سجون تنظيم "داعش"، ولا تسمح لأي وسيلة إعلامية بمحاولة البحث والتقصي عن مصيرهم، مع العلم إنها قامت بنقل من كانوا معتقلين من قبل التنظيم في سجون الرقة إلى سجونها في مدن "القامشلي - عين عرب"، دون أن تسمح لهم بالتواصل مع ذويهم، أو تبين سبب اعتقالها لهم، كما إنها تعتقل أكثر من ٣٥٠٠ شاب من ريف دير الزور بدون توجيه أي اتهام لهم، مع الإشارة هنا إلى أن "قسد"، جهة غير قانونية، ولا يحق لها اعتقال أي مواطن سوري أياً كانت الأسباب، ومن المثير للسخرية في هذا الملف، أن "قسد"، تهدد بين الحين والآخر بإطلاق سراح من تعتقلهم من عناصر تنظيم "داعش"، ولا تجد حرجاً من إطلاق سراح مجموعات منهم تبعا لـ "تسوية وتعهد عشائري"، كما تعمل على إعادة تجنيد من يرغب من قيادات التنظيم لصالحها، وعلى هذا الأساس فإن ما تعيشه المحافظات الشرقية من سوريا، هو تبدل شكل واسم الميليشيا التي تنتشر فيها ليس أكثر.
وإن كان تنظيم "داعش"، قد عمل على إنشاء مناهج تدريسية خاصة به، تخلق جيلاً من الجهاديين الحاملين لأفكار التنظيم، فإن "قسد"، عملت على إلزام المدارس الخاضعة لسيطرتها على مناهج تحمل من المغالطات التاريخية والجغرافية بما يرسخ لوجود "كردستان الكبرى"، في عقل الأجيال التي تحاول خلقها، كما إنها تحاول الترويج لأفكار حزب العمال الكردستاني الموضوع على لائحة التنظيمات الإرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي، وفي كلا الحالتين، يتفق قادة "قسد"، و "داعش"، على ضرورة أدلجة الأطفال وفقاً لما يشتهون، وهذا ما يعتبر إحدى الجرائم بحق الطفل، ومن الغريب أن تزعم "قسد"، إن فرض المناهج على المدارس وإلزام السكان بها وإن وصل الأمر حد استخدام القوة لمنع وصول الأطفال إلى المدارس التي تسيطر عليها الدولة السورية، هو جزء من الممارسة الديمقراطية التي ترغب بترسيخها لدى الشعب.
إن ما ترمي إليه "قوات سوريا الديمقراطية"، من الذهاب نحو فدرلة الشمال السوري، وإعلان كيان شبه مستقل، تقوم إدارته على أفكار قائد حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا "عبد الله أوجلان"، لا يخرج عن صندوق الأفكار الامريكية التي ترغب بالإبقاء على النفط السوري خارج حسابات اقتصاد دمشق، ومحاولة الضغط على الحكومة السورية قدر الإمكان بورقة "الأكراد"، ومن الغريب أن قيادات هذه القوات يدركون تماماً، إنهم الحلقة الأضعف في أي توافق أمريكي مع تركيا حول شكل الشمال، ومع ذلك يصرّون على المواقف المتشنجة نفسها.
سقوط دولة "داعش"، بدء من تناقص الحاضنة الشعبية للتنظيم نتيجة لممارساته الأصولية، كما إن زيادة ممارسات "قسد" الشاذة، ستؤدي حتماً إلى تناقص عدد الحاضنة الشعبية لها حتى في الشارع الكردي، مع الإشارة هنا إلى أن القوام العام لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، مشكل بنسبة ٨٠% من الميليشيات العشائرية، التي يبدو إنها ستدخل في صراع داخلي مع "الوحدات الكردية"، إذا ما استمرت الأخيرة باستخدام القتل كفعل لقمع المظاهرات المضادة لوجود "قسد".
المصدر: خاص
شارك المقال: