Wednesday November 27, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

قراءة في انخفاض سعر صرف الليرة السورية

قراءة في انخفاض سعر صرف الليرة السورية

 

الدكتور مدين علي

يواجه الاقتصاد السوري تحديات اقتصادية كبرى، جرّاء تطورات نقدية  ومالية مقلقة، يندرج في مقدمتها، صدمة الانخفاض الجاري في سعر صرف الليرة، وما يرافق ذلك  من مفرزات، باتت تسهم  بصورة دراماتيكية، في توسيع نطاق حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، التي تعود بدورها، لأسباب كثيرة، وعوامل متعددة، بعض هذه الأسباب  بات واضحاً ومفهوماً، بالنسبة للسوريين، فيما تزال الأسباب الأخرى، غامضة ومُلتبسة، تثير الكثير من القلق والتساؤلات المشروعة، لغالبية كبرى من السوريين حول التطورات المحتملة للوضع الاقتصادي، وتداعيات ذلك على مستوى المعيشة وشروط الحياة.

في كافة الأحوال، و بصرف النظر عن طبيعة الأسباب، الكامنة وراء الانخفاض الراهن في سعر صرف الليرة، والتي لا تعدُّ موضعاً للنقاش، يبقى الأبرز في هذا السياق، هو تسليط الضوء على  ماهية المخاطر، وطبيعة المنعكسات الاقتصادية والاجتماعية، التي ولّدها الانخفاض الجاري في سعر صرف الليرة السورية، والتي تفاقمت بقوة، جراء تذبذبات الحركة في سعر الصرف، صعوداً وهبوطاً، مع الأخذ بالحسبان، أنها تعكس بالمجمل، ميلاً واضحاً نحو الارتفاع، ينكشف  معه المشهد الاقتصادي في سوريا، على مؤشرات اقتصادية، بالغة الخطورة، تُنذر بدخول الاقتصاد السوري، في حالة من الشلل الاقتصادي، ما سيجعل الإطار العام للمشهد الكلي في سورية، مفتوحاً على احتمالات متعددة، وخيارات مفتوحة، لا يمكن احتواء مفاعيلها بالوسائل التقليدية المُتاحة.

على أي حال، إن الانخفاض الكبير في سعر صرف  الليرة السورية، كان له  في الواقع أثر سلبي على حجم  الطلب الكلي على سلع وخدمات الاستهلاك  النهائي، إذ تراجع حجم الطلب الكلي بقوة، جراء الارتفاع  الكبير في المستوى العام للأسعار بنسبة تراوحت بين (10-20%)، وهي نسب تتباين، وتختلف من صنفٍ إلى آخر من صنوف السلع والخدمات، كما تختلف باختلاف مرونة الطلب عليها ، في الوقت الذي لم يتم فيه إجراء أي زيادة، أو رفع في مستوى الرواتب والأجور، لأصحاب الدخل المحدود (تحديداً العاملين في مؤسسات الدولة والقطاع العام)، ما يعني أن الاقتصاد السوري سيُدفع بقوة، نحو الدخول في حلقة إضافية، من الانكماش الاقتصادي، والركود القاتل، الذي تجاوز بكل المعايير أرقاماً قياسية، لكن الأخطر في هذا الإطار، هو ما حصل بالنسبة لقطاع الأعمال والاستثمار والتجارة، إذ أن حالة عدم الاستقرار في سعر الصرف، واستقراء الاتجاه نحو الارتفاع لبعض المحللين والمختصين والمبشرين، تسبب في ارتباك كبير يعيشه قطاع الأعمال، الذي يمتلك حساسية مفرطة، تجاه عدم الاستقرار في سعر الصرف، إذ أنه يعي بقوة، أن انخفاض سعر صرف الليرة، وحالة عدم الاستقرار، وظروف عدم التأكد واللّايقين، ستؤدي بقوة  إلى تراجع جدوى المشروعات، وتراجع معدل العائد الحقيقي على الاستثمار، كما تتسبب في إطالة فترة استرداد رأس المال، ما يعني بالمحصلة عدم الإقبال على الاستثمار والتوظيف والتشغيل، وهذا سيلقي بتبعات سلبية على إمكانية تحفيز النمو الاقتصادي، ومتطلبات تنشيط الطلب الكلي ودورة النقد، ومدى القدرة على توفير فرص العمل والتشغيل.

وفي الواقع إن مضامين المشكلة الاقتصادية، الناجمة عن حالة عدم الاستقرار في سعر الصرف، والاتجاه المستمر نحو الارتفاع، لم تبق محصورة في نطاق ما أشرنا إليه فيما تقدم، بل تجاوزته إلى سياقاتٍ أخرى، إذ باتت مختلف مؤسسات القطاع العام، تواجه مشكلة حقيقية، جراء تنفيذ مضمون البلاغ (37) لعام (2019) المتضمن، الطلب إلى جميع مؤسسات القطاع العام والحكومي، إلغاء العقود بالتراضي، والتوجه أصولاً عند الحاجة لإبرام عقود الأشغال، أو الصيانة، أو التوريد، ..... وغير ذلك من العقود، عن طريق إجراء مناقصات، واستدراج عروض فنية ومالية جديدة.

لكن الارتفاع الذي حصل في سعر صرف الدولار، أسهم إلى حدٍّ كبير في خلق حالة من الارتباك، أمام جميع الأطراف المتعاقدة، إذ أن ارتفاع سعر الصرف، دفع الموردين إما: نحو الامتناع عن التقدم إلى إعلانات المناقصات، وعروض أسعار جراء حالة الغموض وعدم التأكد، التي تكتنف مستقبل سعر الصرف، أو التوجه نحو خيار التقدم والاشتراك في المناقصات وعروض الأسعار، بتقديرات وكلف عالية، مسكونة بهاجس الحذر والتحوط الكبير، لمواجهة مخاطر احتمالات ارتفاع سعر صرف الدولار (تراجع سعر صرف الليرة). 

كل ذلك سيلعب دوراً كبيراً  في ارتفاع  قيمة مختلف أشكال العقود ( عقود التشغيل والصيانة والإصلاح  والتوريد أو البناء والإنشاء...)، الأمر الذي سينعكس بصورة سلبية على الموازنة العامة للدولة، جراء التسبب بعجز مالي كبير في الموازنة العامة للدولة، ما سيساعد بقوة في صبّ زيت التضخم، والارتفاع في المستوى العام للأسعار، على نار الاقتصاد الملتهب، الأمر الذي سينعكس مباشرةً بصورة سلبية على حجم الطلب الكلي، وحالة الاقتصاد، الذي سيزداد انكماشاً، وسيغوص بصورة أكثر عمقاً في مستنقع الركود الاقتصادي.

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: