Friday April 26, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

ما الذي يفعله "جبل صافون" على شاشة سعودية؟

ما الذي يفعله "جبل صافون" على شاشة سعودية؟

بديع صنيج

 

بعد مشاهدة النحات السوري "نزار علي بدر" في الحلقة الأخيرة من برنامج Arab Got Talent يُشكِّل من حجارة "جبل صافون" الذي بات اسماً له، لوحةً تحاكي الهجرة السورية، واستطاع من خلال عمله أن يُبكي معظم الحاضرين، كما جميع أعماله التي فاق عددها الخمسة والعشرين ألفاً، لا نستغرب الفطرة الفنية لدى هذا الرجل الخمسيني بعدما تعمَّدت بالحرف الأوغاريتي، وتطهَّرت بالعطاء الإنساني الذي جعل من حجارته، التي يتماهى معها بروحانية عالية، بمثابة كتابة رُقيمات جديدة بلغة يفهمها الجميع ويتأثرون بها، وكأن ثمة تواشجاً سحرياً بين التشكيلات التي تصنعها يدا هذا النحات السوري وبين مُتلقيها، لكن ما نستغربه أشد الاستغراب أنه كيف لـ"جبل صافون" أن يتسع له مسرح هذه القناة السعودية؟ وما الذي يُنشده من هذه المُشاركة بعدما نال جوائز عالمية واستطاعت لوحاته أن تنتشر في كل أصقاع العالم؟

يقول نزار في أحد حواراته الصحفية: «أنا جبل صافون السوري، الأوغاريتي، أنا ابنٌ لأسلافي الأوغاريتيين، الذين تركوا الجبل أمانة في جيناتي، ولهذا أعمل جاهداً على إيصال رسالتي إلى الإنسانية، وأعتقد أن رسالتي وصلت، ولامست ضمير كل من لم يخلع ثوب إنسانيته». لكن طالما أنك مُدرك لذلك، هل تسعى إلى تعزيز وصولك من خلال هذا البرنامج سيئ السُّمعة؟ أم أنك لم تعلم أن المُشاركين فيه يصبحون مُجرَّد وسيلة لزيادة عدد المُشاهدات والانتشار إلى شرائح أوسع من الجمهور؟ الغريب أن رسالتك وصلت منذ أكثر من ثماني سنوات من عمر الفاجعة السورية، بما في ذلك تواصلك مع الميثولوجيا السورية التي تجسدها في أعمالك، أنت الذي تقطع مسافة خمسة وستين كيلو متراً من بيتك إلى سفوح الجبل "الأقرع"، عرش الإله بعل، إله السوريين في الديانات القديمة، لتنتقي من حجارته الملونة ما بات بمثابة تمائم فنية قادرة على اختراق الحدود، وتثوير الإحساس ببداهة الشكل وعمق المعنى ومداه، أما أنت ما الذي دهاك إلى هذه المشاركة؟ وماذا تفعل حجارة صافون على تلك الخشبة؟ أنت الذي قال عنها: «لحجارة صافون، أبجدية كالمسمارية الأوغاريتية، وهي ليست بحاجة إلى علماء لفك رموزها، ولن يتمكن أحد أن يشكل بها أعمالاً كما شكلت أنا، فعشقي للحجر لا يمكن وصفه».

نحن نصدقك يا نزار، وهذا العشق بدا من خلال طريقة رصف تلك الحجارة، بطريقة أشبه بصلاة من نوع خاص، تستحضر من خلالها آلاف السنوات التي صقلت تلك الحجارة، وملايين الآهات التي كوَّنتها، ومثلها من الأحلام والآمال والجِراح، بحيث أننا نسمع من خلال ما تتمخَّض عنه سفوح جبل صافون  "أصوات من راحوا"، لدرجة تتماهى الأشكال مع الأصوات، فلا يعود فنك مجرد فن بصري، بل يتعداه إلى السمع من خلال ما تقوم به من تكوينات إعجازية، تقترب من كتابة نوتات موسيقية، نسمع أحياناً أنينها المكتوم، أو صراخها في أحيان أخرى، كما نتلمس صمتها الثقيل مرَّات، فثمة فعل إنطاق لجوقة تلك الصخور، وإسماعنا "ماضي الأيام الآتية" في استعارة فنية لعنوان الشاعر "أنسي الحاج"، مع الالتصاق بذات الفلسفة الجمالية رغم اختلاف اللغة المستخدمة، لكن ما نستغربه فعلاً أنه مع كل هذا الفن الصافي والعميق والمُدهِش، لماذا لم تترك دهشتنا في زمنها الحاضر المستمر، وارتضيت أن تُصبح تجربةً في أستوديو سعودي، فليسامحك الجَمَال الذي جُبِلْتَ من ديدنه.

 

المصدر: خاص

شارك المقال: