خارطة جديدة للتحالفات الدولية في العالم
لا شكّ أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان له وقع كبير على الحلفاء قبل الخصوم، فالأمريكي يظهر اليوم وكأنه لا يكثرت إلا بمصالحه الشخصية، وعينه فقط على منافسه الاقتصادي الوحيد.
قبل شهر من الآن رُسمت الخطوط لسياسة أمريكية طويلة الأمد في العالم، وحلفاء واشنطن تلمسوا رؤوسهم، وبدأوا يفكرون بطريق جديد غير الذي ساروا عليه عبر الـ 50 سنة الماضية.
وعليه أصبح نهج حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين وغيرهم، تجاه العلاقة معها متشائماً إلى حدٍ ما، والجميع يبحث عن تحالفات جديدة تداوي قليلاً ما تركته ندوب الأنانية الأمريكية، فالناظر إلى سياسة الرئيس جو بايدن لا يراها تختلف عن سياسة سلفه ترامب، في رفع شعار أمريكا أولا، فهي تبني شراكة استراتيجية مع أستراليا وبريطانيا في منطقتي المحيط الهادئ والهندي في سبيل السيطرة على طريق تجاري مهم في العالم، ومواجهة الصين في عقر دارها، ولا تكترث بالشركاء الأوروبيين، وحتى لا تعلمهم بأمر الشراكة.
أوروبا التي شعرت بالإهمال وقلة التقدير تعلن عن تضامنها مع فرنسا التي جعلت من صفقة الغواصات النووية شماعة لإنزعاجها من السياسة الأمريكية التي بدأت تتجه إلى تشكيل تحالفات جديدة تحل مكان القديمة.
قبل أيام صرحت وزيرة الدفاع الألمانية عن توجه لتقديم مقترح بتشكيل جيش أوروبي للتدخل السريع، يكون بمثابة المعادل لجيش الناتو الذي لطالما عبّر عن شكل التحالف الغربي في أقوى حالاته، إذ لا يمكن إخراج التصريح الألماني عن سياق المجريات الدولية الحالية، وأوروبا حالياً تريد سلاحاً جديداً يمنحها استقلالية قرار الحرب والانسحاب، وإعادة النفوذ في مناطق من العالم، كان الأمريكي ينوب عنها في تأمين مصالحها فيها.
من أوروبا إلى الخليج، يظهر أثر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واضحاً أكثر، فأعداء أمس أصبحوا أصدقاء اليوم، ويجتمعون بشكل علني متناسين سنوات من الخلاف والصراع الذي وصل إلى حد التهديد بالغزو، فبدا جلياً أن ثقة حلفاء واشنطن بزعامتها، أضحت محل شك كبير، وهو ما يدفع إلى تأسيس مشروع سياسي مستقل يعزز القدرة على مواجهة التحديات دون الاعتماد بشكل كبير على الحماية الأمريكية.
بن سلمان وتميم وطحنون اجتمعوا في السعودية وعلت محياهم ابتسامة، قد تخفي خلفها وجهاً قلقاً من التوجه الأمريكي القادم، فهم الذين جرى تخويفهم سابقاً من البعبع الإيراني، وهو اليوم بات أقرب إليهم، يهدد عمقهم الأمني من اليمن، ولم يعد أمامهم إلا طريق التفاوض، وترميم الصدع فيما بينهم، لتهيئة الأمور لما هو مختلف عما كان يرسمه.
أما عن منطقة شرق المتوسط، فلا يمكن فصلها عما يجري في العالم من تغييرات في التحالفات، فالعنوان قد يكون من خارج سوريا إلا أن الفهم مقروء من داخلها، الأمريكي اليوم لا يهمه من القضية السورية إلا ما قد يبيض صفحته على وسائل الإعلام، فهو ينتقل من موقفه المتشدد إلى موقف متسامح بكسر العقوبات والحصار من باب الحرص على تغذية لبنان بالطاقة، ويفتح المجال أمام شراكة رباعية عربية، مرشحة لأن تمتد بشكل أكبر بعد غياب الفيتو الأمريكي عن أي انفتاح عربي تجاه سوريا.
روسيا من جانبها تتلقى الإشارات الأمريكية وتثبت أقدامها أكثر في سوريا، وتضع حلفاء واشنطن في خيار التفاوض قبل بدء التخلي الأمريكي القادم، أما تركيا فتتجه إلى إعادة علاقاتها مع الجميع، وتعود إلى سياسة صفر مشاكل مع الخصوم، وتؤسس في نفس الوقت لأحلاف ومناطق نفوذ جديدة، تتلائم مع الانسحاب الأمريكي التدريجي من المنطقة.
لذلك يمكن القول إن المشهد الآن يمهد لرسم خريطة جيوسياسية جديدة في العالم، لا يهيمن فيه القطب الواحد، ولا يُفرض فيها القرار بالخيار العسكري، فالجميع مطالب بتغيير تمركزه وسياسته، لأن الصراع المحموم وحرب الرسائل السياسية تأتي في ظل تغيير التحالفات لدى جميع الأطراف، تحالفات دولية من جهة، وتحالفات شرق أوسطية من جهة ثانية، وتحالفات عربية-عربية من جهة ثالثة.
https://www.facebook.com/QstreetJournal/videos/603121687523048
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: