كبير المسؤولين في ثوب "هاملت" .. "أكون أو لا أكون"!
ناطق العجب
لبس كبير المسؤولين ثوب هاملت، الفتى الذي تُضرب به الأمثال في التراجيديا على مرّ العصور حين قال "أكون أو لا أكون"، وصرخ في وجه المسؤولين الذين تدلت كروشهم أمامهم "لا يجوز أن نفرّط في حق الدولة"، فتبدّل الاجتماع الحكومي إلى جلسة ندب ونحيب على أحوال المواطنين، حتى اضطر أحد المسؤولين "مرهفي الحس" إلى انتزاع سيجارة من علبة كوبية فاخرة ليواسي نفسه بها، فيزفر أكبر مسؤول أنفاسه المتثاقلة ويرفع أنظاره إلى مسؤوليه مجدداً ويقول فرحاً "نريد النجاح"، وترنّ هذه الكلمة بأذن أحد المؤتمرين حول الطاولة المستديرة، ويجيب في سرّه "سمعاً وطاعة يا مولاي، سأكون ناجحاً وقوياً، سأستثمر وجودي وأسخر طاقاتي وأشحذ إمكانياتي لتلبية طلب معاليك، سأعمل على جمع أكبر قدر ممكن من الأموال كي يُشار لي بالبنان على أني شخص ناجح، وسأجعل من مرآب البناء الذي أسكنه مدينة فاخرة تضجّ بسيارات المرسيدس السوداء المفيمة، حتى إذا مرّ بي من لا يعرفني فرك يديه وقال رباه .. كم هو شخص ناجح، وسأرسل أبنائي للدراسة في جامعات الخارج وإن لم يفلحو في الدراسة سيفلحون في تكوين صداقات جيدة مع الأوساط الاجتماعية، فنحن محبون للانفتاح أليس هو طريق النجاح؟!"
يتابع هاملت السوري ملحمته على مسامع الحاضرين، ويردف "لن نفرط في حق الدولة"، وفي هذه الأثناء ينهي أحد المحافظين مكالمة للتو كان يتحدث فيها إلى مسؤول بلدية ضمن مدينته، ويطلب منه منح الموافقة لأحد أصدقاء صهره كي يشيّد بناءً شاهقاً على أرض كانت فيما مضى تحت خانة الاستملاك، واليوم صارت ملك صهر المحافظة، على مبدأ "جيبتنا وحدة".
وبين مشاحنات كلامية، وخطابات قد تنفع في ساحات المعارك، يُدلي وزيرٌ دُعي لاجتماع المحافظين بدلوه، ويقترح معاليه، "تحفيز القطاع الخاص "، وكأنه نسي أن القطاع الخاص هو جهنم إن كان القطاع العام النار، فهو يعرف أن مسؤولي شركات القطاع الخاص لا يوفّرون أدنى فرصة في "مص دماء" الموظفين وحلب أوقاتهم، عداك عن الرواتب التي لا تكفي لعشرة أيام في الحد الأحلى، والتي يتندّر بها الموظفون بأن يسمّوها "بدل مواصلات"، وإن تجرأ موظف على طلب زيادة جاءه الرد "اصمت.. الدولة في ضائقة مالية ويجب علينا جميعاً أن نقف معها"، فيطأطئ المسكين رأسه بعد أن طلب منه الوزير آنف الذكر سابقاً أن يرفع جبينه ويتفاءل!
يعود مجدداً بطل الجلسة إلى الكلام، ويدعو أمام وسائل الإعلام، لـ "الحفاظ على حقوق المواطنين" .. فيجيبه أحدهم "الله يعينهم يا حرام"، لكن ما طبيعة الحقوق التي تتحدث عنها يا سيدي، لقد دعمنا الخبز والوقود، وزفّتنا لهم طرقاتهم، وكنا أسخياء في مادة الزفت حتى جعلناهم يترجونا بأن نتوقف عن قلب حياتهم إلى زفت، إنهم يدعون لنا على الملأ، البارحة سمعت أحدهم يقول "الله يريحلنا المسؤولين"، فما الخطب إذاً؟!
وفي غمرة الشد والجذب، يعرض أحد المسؤولين فيديو "طق برغي" بالمسؤول السابق، فيقول قبل الفيديو "كل ما قاله زميلي عفا عليه الزمن"، ستجدون من يدعو "الله يريحنا من المسؤولين"، وستستمعون لمن يقول أن الدعم صار بحاجة إلى دعم، وسيصرخ ثالثٌ ما نسبة هذا الدعم من الناتج القومي العام، وما المعايير التي تحدد الموازنة العامة سنوياً، ولماذا يبيع المصرف المركزي الدولار لبعض المسؤولين دون أن يضع لهم سقفاً للمبالغ التي يطلبوها من القطع الأجنبي، ولماذا يبيع هؤلاء المسؤولون البضائع التي استوردوها بسعر السوق السوداء، ولماذا يسمحون أساساً بتواجد سوق موازٍ؟!، فماذا أنتم مجيبون؟!.
حينها لا يجد كبير المسؤولين سوى أن ينتظر الشبح الذي كان يتردد على هاملت الأسطوري ويحادثه في شؤون الإدارة، لكن يا للأسف حتى الأشباح هربت من واقعية مسؤولينا.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: