حملة "عاصفة الجزيرة" في مستنقع "الباغوز"
عمار الشبلي
في التاسع من أيلول/2017 وقف العميد "طلال سلو" الناطق باسم "قسد" آنذاك، ليتلو على وسائل الإعلام المُقربة من"قسد" بيان انطلاق "عاصفة الجزيرة" بهدف تحرير كامل أراضي الجزيرة السورية وشرق الفرات من براثن "الإرهاب العالمي" المتمثل في تنظيم "داعش"، حسب ماجاء في البيان.
وفي أولى معارك "العاصفة" مع "التنظيم" في بلدة "الدشيشة" في ريف الحسكة، تكبدت "قسد" خسائر فادحة في صفوفها بسبب العوامل الجوية والعواصف الرملية التي استفاد منها "التنظيم" إضافة لظهور الخلافات في صفوف" قسد" الذي وصل إلى حد الاقتتال بين مجموعات من "قسد" وقوات "النخبة" التابعة لـ"أحمد الجربا" رئيس مايسمى الإئتلاف "المعارض" حينها، والتي أسفرت عن عشرات القتلى من الطرفين.
بالتزامن مع انطلاق "عاصفة الجزيرة" شرق الفرات، بدأ "الجيش السوري" عمليات تحرير ريفي "الرقة" و"دير الزور" و"البادية" من تنظيم "داعش" بمساحة تُقدّر بـ90 ألف كم مربع، ونجح الجيش السوري في إنجاز مهمته خلال 100 يوم من انطلاق العملية وتأمين المنطقة حتى الحدود العراقية في الجنوب الشرقي، وتحرير عدة بلدات شرق الفرات في ريف دير الزور قبل أن توقفها القوات الأمريكية من خلال عدة اعتداءات وغارات جوية استهدفت القوات السورية العاملة على محور شرق النهر.
وحسب إعلام"قسد" فإن القوات المشاركة في "عاصفة الجزيرة" هي «مجلس دير الزور العسكري، وقوات حرس الحدود، ووحدات حماية الشعب والمرأة»، بقوام 17 ألف مقاتل إضافةً لـ"دعم جوي" و"لوجيستي" من" قوات التحالف" الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
العام الأول من العاصفة
بعد عام من انطلاق حملة "عاصفة الجزيرة" أكد نائب قائد قوات التحالف الدولي، قائد القوات البريطانية "ميجور جنرال كريستوفر غيكا"، أن تنظيم "داعش" لا يزال يشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار المنطقة، مشدداً على أن مهمة التحالف ستبقى كما هي حتى القضاء عليه، الأمر الذي اعتبره مراقبون بأنه اعتراف صريح بعام كامل من الفشل الأمريكي وحلفائه في قتال "التنظيم"، وقُتل نحو 1000 مدني نتيجة القصف "الأمريكي" المكثّف للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في بلدات "هجين" و"الشعفة" و"السوسة" و"الباغوز" آخر معاقله.
كان أعنفها عشية سنوية انطلاق "الحملة" في 10 تشرين الأول 2018 عندما استهدفت "قوات التحالف" بلدة "هجين" بأكثر من 100 ضربة جوية ومثلها من الضربات المدفعية خلال 24 ساعة راح ضحيتها أكثر من 20 مدني.
في السنوية الأولى لانطلاق "الحملة" استذكرت "قسد" عدد من قتلاها لكن لم تصرح عن العدد الحقيقي لهم في الوقت الذي الأرقام لأكثر من 500 قتيل من "قسد".
وهو التوقيت الذي اختاره تنظيم "داعش" لعرض عدد من أسرى "قسد" لديها في شريط مصور ظهر فيه عدد من الأسرى من أبناء "العشائر العربية" المقاتلين في صفوف "قسد"، وقال التنظيم في الشريط المصور محادثاً العشائر العربية «يرسلون أبناءكم إلى جبهات "الهلاك" بينما هم (الأكراد) في الخطوط الخلفية».
أما على المستوى الإنساني فكانت نتيجة "العاصفة" منذ انطلاقها حتى اليوم نحو 250 ألف لاجئ في مخيمات "أبو خشب"، في جنوب محافظة "الحسكة" بالقرب من الحدود الإدارية مع "دير الزور"، و"مخيم السد"، إلى جانب بحيرة "الحسكة الجنوبية"، و"مخيم الهول"، جنوبي شرق الحسكة، بالقرب من الحدود العراقية، وهو مخيم قديم أنشئ في التسعينيات للاجئين العراقيين، وحالياً يقطن فيه عراقيون وسوريون.
وهناك مخيمات عشوائية، مثل مبروكة، ورجم الصليبي، وبالقرب من تل أبيض، وفي قرى التركمان، وفي قرى الفرات التي منع أهلها من العودة إلى مساكنهم فيها فأنشأوا مخيمات قريبة، وجميع هذه المخيمات تفتقر لكل مقومات الحياة.
العاصفة في عامها الثاني:
في مطلع العام الجاري 2019 قال مدير المركز الإعلامي لـ"قسد" مصطفى بالي، عبر "تويتر"، إن «قوات سوريا الديمقراطية أحرزت تقدما في المحور الغربي للباغوز منذ الساعة السابعة مساء أمس، وسيطرت على 41 موقعاً لداعش ودمرت تحصيناتهم».
في الوقت الذي عزمت فيه "تركيا" على شنّ عملية في شرق الفرات، وكذلك في "منبج" السورية، ضد "وحدات حماية الشعب الكردية"، إحدى فصائل قسد.
بالتوازي مع سحب مئة شاحنة محملة بمعدات عسكرية أميركية من منطقة سيطرة قوات "قسد" شرق سوريا عائدة إلى" العراق" تنفيذاً لقرار "ترامب" في سحب قواته الداعم الرئيس لـ"قسد" من سوريا، الأمر الذي اعتبرته "قسد" في بيان لها بأنه قرار سيكون له تداعيات على الاستقرار العالمي.
التغيرات الدولية والميدانية التي فرضها "الجيش السوري" بلغت ذروتها لصالح "دمشق" مع بداية العام الثاني لانطلاق حملة "عاصفة الجزيرة" الأمر الذي فرض مزيد من الإنفتاح تجاه سوريا، وانعكس هذا الأمر بشكل مباشر على المناطق التي تسيطر عليها "قسد" برزت في زيارات لمسؤولين ومقربين من"قسد" إلى دمشق للحوار مع الحكومة السورية.
رافقه حراك شعبي للعشائر العربية في الرقة ودعوات أهلية للجيش السوري بالدخول لمحافظة الرقة بعد تردي الأوضاع الأمنية فيها، ما لبثت أن قمعت "قسد" هذه التحركات أهمها الحراك الشعبي في مدينة "المنصورة" في ريف الرقة الغربي في مطلع العام الجاري 2019، حيث اعتقلت "قسد" أكثر من 400 مواطن وفرضت حظر تجوال لأسبوعين.
وتسيطر "قسد" على معظم مناطق شرق الفرات في الرقة ودير الزور والحسكة وبعض المواقع الإستراتيجية كحقول النفط والسدود ومساحات من الأراضي الزراعية إلا أن الواقع الخدمي والمعيشي في المناطق التي تسيطر عليها في تراجع مستمر، الأمر الذي يراه مراقبون بأنه "سياسة التجويع" لإجبار الشباب للإنضمام في صفوفها.
المستنقع الأخير.. الباغوز
بعد انطلاق "عاصفة الجزيرة" ومرور 18 شهراً على بدء عملياتها، لم يبق أمامها سوى بلدة "الباغوز" في ريف دير الزور الشرقي لتحقيق الأهداف المزعومة للحملة.
ومع بداية الحملة لطرد تنظيم "داعش" من "الباغوز" أعلن "التحالف" الذي تقوده "الولايات المتحدة" أنه نفذ ضربة جوية على الباغوز أسفرت عن مقتل المتشدد الفرنسي "فابيو كلان" الذي سجل مقطعا صوتيا يعلن المسؤولية عن الهجمات التي وقعت في باريس في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015 .
التصريح" الأمريكي" مؤشر مبدأي على أن "الباغوز" هي خزان المتشددين "الأجانب" المنتمين للتنظيم، وهو التفسير الوحيد لعدد الغارات الجوية الهائل التي قامت بها طائرات "التحالف" حسب مراقبون.
ومع انطلاق العملية الأخيرة في "الباغوز" قال "مصطفى بالي" رئيس المكتب الإعلامي لـ" قسد" «لم يخرج أي مدني من الجيب منذ يوم السبت، والقوات المقاتلة لم تلحظ أي وجود للمدنيين، مما دفع إلى اتخاذ قرار الهجوم»، مضيفاً «العمليات العسكرية بدأت، وقواتنا تشتبك الآن مع الإرهابيين».
وأشار "بالي" إلى أن «أكثر من 4000 من عناصر (داعش) استسلموا لـ"قسد"خلال الشهر الماضي، بينما جرى إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين، وما يزال عدد من المقاتلين الأجانب يتحصنون في الداخل، وهم على استعداد للقتال حتى النهائية».
في تقارير مصورة لوسائل الإعلام العالمية المواكبة لعمليات "قسد" في "الباغوز" ظهرت العديد من النسوة معظمهن من نساء تنظيم "داعش" يتوعدن باستئناف "الجهاد" ضد "الكفرة" عندما تسنح الفرصة لذلك، فيما لم يؤكد أي من الخارجين رؤيته "أبو بكر البغدادي" زعيم التنظيم، فيما لم ينف الخارجون احتمال وجوده في "الباغوز" المعقل النهائي للتنظيم.
في نهاية العام الفائت 2018 هددت "قسد" بإطلاق سراح نحو 3000 من معتقلي "داعش" لديها في حال أقدمت تركيا على توجيه ضربات جوية ضدها، كانت قد اعتقلتهم الأولى في أوقات سابقة، وتحتفظ بهم في سجون و مخيمات مشددة الحراسة.
مطلع العام الجاري 2019 نقلت "قسد" عدد من مقاتلي "داعش" في شاحنات مغلقة إلى جهة مجهولة.
قُبيل انتهاء عمليات طرد تنظيم "داعش" من جيبه الأخير في "الباغوز" الذي لا تتجاوز مساحته 3 كم مربع أصبح في عهدة "قسد" آلاف المتشددين معظمهم من الأجانب الذين رفضت دولهم استقبالهم، فمتى وضد من سوف تستخدمهم "قسد".
في "الباغوز" سر من أسرار الإرهاب العالمي الذي ترأسه الولايات المتحدة والذي تريد طمسه بمئات من قنابل الفوسفور والأسلحة المحرمة دولياً و التي راح ضحيتها مئات العائلات من المدنيين.
على ضفة المستنقع
فاق عدد القتلى المدنيين ثلاثة أضعاف القتلى من طرفي النزاع.
عدد قتلى" قسد" تجاوز الـ 1000 قتيل خلال 18 شهراً من العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش".
أكثر من ناطق إعلامي ورسمي لـ"قسد" في وقت واحد وبتصاريح مختلفة حول كل القضايا التي رافقت "العاصفة".
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: