حكايات "عصام حسن" التي لا تُغادرنا
بديع صنيج
ركز الكاتب "عصام حسن" في أمسيته التي أقامها في المركز الثقافي العربي "أبو رمانة" ضمن فعاليات مشروع مدى الثقافي، على التفاصيل الصغيرة التي يغفلها كثير من الأدباء عادة، وبقدر ما انشغل بتوصيل هموم وهواجس بسيطة قد يراها البعض ثانوية، فإنه استطاع إعلاءها وجعلها شأناً عامّاً، لقدرته على الانتقال من الشخصي إلى الجمعي عبر أسلوبية مُشبعة بالشفافية، والقدرة على تقمّص هيئات وأقوال وملامح الأشخاص الذين يكتب عنهم ولهم، فمرة هو الطفل، وأخرى هو الأنثى بكامل مفاتنها وألقها وعشقها، وفي مرة يكون كبير السن بحكمته وظُرْفِه، لكنه في جميع الأحوال يصهر تلك الشخصيات في روحه، ويُداعبها برهافة، لتخرج قصصه، ومقاطعه النثرية التي تحمل في ثناياها جماليات الشعر، على هيئة جداول ترفد نهراً أدبياً واحداً.
وبين الحب و"مَلْعَنَاته"، الطفولة وبراءتها، وأخبار الموت، الضحك، الحزن وتلافيفه، والشقاوة المُحبَّبة، غَزَلَ صاحب "حدِّثينا يا شهرزاد" نصوصه النثرية على خلفية موسيقية لعازف القانون المميز "جاك الصباغ"، ناقلاً إيانا إلى عوالم بصرية ومشهديات حياتية وتخيُّلات، نزعت السَّرد من تقليديَّته، مُحرِّرةً إياه من سَكَناته، ليتحوَّل عبر الصَّوت إلى مناخٍ آخر من التلقي، زادته انفعالات "عصام" واستذكاراته للمواقف التي مرَّ بها ودعته إلى الكتابة ألقاً، فهو رسام الكاريكاتور المُبدِع الذي التجأ إلى الكتابة بعد عام 2011 لإحساسه بأن مُقبِلٌ على الموت، وأن هذه الهمجية لا بُدَّ ستودي بحياته، لذلك آثر أن يترك وراءه دليلاً يقول من خلاله أنه رغم بشاعة الحرب وكراهيتها، ثمة من يُحب ومن يبتسم ومن يَصدُق ومن يُعانِق أحلامه ومن يستطيع أن يبثّ سلاماً في الروح، لاسيما أنه يرى رسوماته الكاريكاتورية اتَّجهت إلى عقل المُتلقّي، بينما كتاباته لامست قلوب القراء، واستطاعت أن تفعل فعلها الذي تلمَّسه من خلال تفاعلهم معها على صفحته الفيسبوكية.
ولعل القاسم المشترك بين ما استمعنا إليه في الأمسية هو "بهجة الحكاية"، فمهما كانت مُغلفة بالأحزان والوجع والخيبات، إلا أن نسيجها، وحيوية التّنقُّل في الأزمنة والأمكنة ضمنها، وجماليات شخصياتها وخصوصيتهم في التَّعاطي مع الواقع، يجعل من حكايات صاحب "عن الحب وفأر الطحين" فريدة من حيث اقتناصها لاهتمام المتلقي سواء أكان قارئاً أو مُستمعاً، أضف أن الاعتماد على مفارقات الموقف، أو خطوط السرد المتوازية مختلفة النهايات، أو تقنية الختام بالبدايات، وغيرها من أساليب القصّ تجعل من السَّهل تذكر الحكاية ومغازيها، فضلاً عن سهولة التعاطف مع أبطالها واستئثارهم بالانتباه، وكأنَّ الكاميرا مُقرَّبة إلى الحد الأقصى نحو وجوههم، ففي قصة "دق دق دق" تلمَّسنا وجه العاشق، وفي "البحث عن وظيفة" تيقَّنَّا من مزاجية الحمير بأسلوب ساخر عالي المستوى، أما في "صديقي الذي أحبَّه" فتمنَّينا أن نكون في المقعد الفارغ داخل السيارة، وفي "شوهد" أخذنا علامة العشرة من عشرة مع الزوج العاشق، ولم نلبث أن شاهدنا معه خيبات الآخرين في الحُبّ، كما بحثنا في "أين نحن منا" على أنفسنا، وغنَّينا في داخلنا "عاميَّات" عصام على أنغام القلب، ثم خرجنا من صالة المركز الثقافي لكن من غير أن نستطيع مغادرة الحكاية.
شارك المقال: