دمشق تتحول إلى ورقة بيضاء لتشويه التاريخ.. وأعمال تشبه الأشغال اليدوية في المدارس الابتدائية
خاص/ حسن سنديان
عندما تقول لأي فنان تشكيلي ارسم لي لوحة فنية إبداعية، يجب أن تعطيه ورقة بيضاء كمساحة له، ما يعني مساحة كبيرة لفنه، ولكن عندما تعطي هذا الفنان لوحة لفنان غيره، وتطلب منه أن يرسم لك لوحة إبداعية فوقها، هل يرى هذا الفنان أن ذلك طلباً منطقياً؟.. هذا ماحدث اليوم تماماً في منطقة باب مصلى "حارة التيامنة" بدمشق، التي طغى على حاراتها القديمة فناً لا ينتمي إلى هوية المدينة، بل كان أشبه بالأشغال اليدوية في المدارس الابتدائية وتشويه فكري وحضاري.
هذا الرسم أطلق من قبل غاليري "مصطفى علي" تحت رعاية محافظ دمشق عادل العلبي، شارك في المتلقى مجموعة من أهم الفنانين الشباب الرسامين والنحاتين، حسب ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الصفحات التي رعت هذا الملتقى، لكن من المنطقي لوكان هؤلاء الرسامين والنحاتين من أهم الفنانين، فمجرد عرض الفكرة عليهم هل فنهم يسمح لهم بطمس معالم حارات دمشقية قديمة عمرها آلاف السنيين، أم بكونهم فنانين سيطلبون ورقة بيضاء كمساحة لهم ولفنهم؟.
هذا الملتقى يعود إلى ملتقى آخر أقيم في حي الشعلان بدمشق، ولكنه كان رسماً تجميلياً على جدران لا تعد قديمة كمثل هذه الجدران التي يعود عمرها لآلاف السنين، وكان رسماً مباشراً على لوحات بيضاء، وليس حارات حاملة معالم تاريخية، طُمست بفن لا يرقى لها ولمعالمها. بل كان أقرب إلى التشويه الحضاري. لأنه وببساطة "الفن انتماء" ولكل مدينة لها فنها وانتمائها.
أما الراعي الرسمي محافظة دمشق" فمن الواضح أنها كانت سعيدة بتبنيها لهذه الفكرة التي لم ترى فيها إلا الألوان الفجة، التي لا تنتمي لمدينة تعتبر الأقدم على مر التاريخ، فكانت "محافظة دمشق" الراعي الرسمي لرسامين متدربين ليس أكثر، معتبرةً الأمر أشبه بدورات الخياطة، أو "تعلم الحبكة في أسبوع"، فبدلاً من رعاية هكذا مبادرات آلا يجب على المحافظة أن تقوم بتطوير المدينة خدمياً أو تجميلها تراثياً، ربما أبسط الأمور تنظيم السير الخانق، وليس تشويه المدينة وذكريات أبنائها.
ما حصل اليوم أشبه بحادثة إزالة المنحوتة للآلهة «عشتار» على إحدى أشجار الطريق قرب مدرّج جامعة دمشق (البرامكة) ضمن فعّاليات مهرجان «تحت سماء دمشق». الفرق آنذاك أن الفكر المتشدد طغى على الشارع السوري والجهل والرجعية وصلت إلى جامعة دمشق بإلغاء القرار، هذه الفكر يشبه تماماً ما يحصل اليوم ولكن هنا جهل يتحمل أعباءه أبناء مدينة دمشق القدماء، وما حدث أنذاك تشدد ورجعية، تحمل أعباءه طلاب معهد الفنون التطبيقية.
المصدر: خاص
شارك المقال: