Monday April 29, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

بين القضايا الكبرى و لقمة العيش.. أين قادة الرأي ؟

بين القضايا الكبرى و لقمة العيش.. أين قادة الرأي ؟

يمكن وصف ما ينشره بعض الشخصيات عبر صفحاتهم الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بأنه قيادة للرأي العام السوري، على اعتبار أنهم باتوا قادرين على خلق ردات فعل لدى المواطن وفقاً لما يريدونه، وأغلب القادرين على التأثير هم من اعضاء مجلس الشعب والإعلاميين، إضافة إلى رجال الدين والفنانين، وبعض من العاملين في الشأن السياسي، لكن إلى أين يقود هؤلاء الرأي العام..؟

إن الحديث في القضايا السياسية والمعرفية والدينية الكبرى، لا يحرف الشارع السوري عن التفكير في حاجاته الأساسية، وإن كانت قضية التحول بالمجتمع السوري نحو المدنية والعلمانية ضرورة قصوى، ناهيك عن التفكير في قضايا من قبيل "قانون الاوقاف - نشر فكر حزب ما - الترويج لفعالية سياسية"، قد تعني المواطن السوري بجزء من وقته، ولن يعيرها وقتا أكثر من القراءة وكتابة تعليق على ما نشره هذا الشخص أو ذاك، فالذهاب نحو البحث عن أخبار تهم يومياته من قبيل أسعار صرف الدولار، والأزمات المتلاحقة التي يعيشها كـ "المحروقات"، وما تعكسه على أسعار المواد اﻷساسية في الأسواق هي الاكثر أهمية، وقد كان من الغريب أن يراقب من يصفون أنفسهم بـ "قادة الرأي العام"، القضايا الأساسية دون أن يفكروا في أن يكونوا جزءاً من حل هذه الأزمات من خلال الذهاب نحو البحث عن "مفاتيح" للأقفال التي توضع على مثل هذه الملفات.

إن قيادة الرأي العام في أي دولة من العالم تركز على الإنسانيات والحياة اليومية، بما يخلق حلول تتناسب وتحقيق جملة من الأهداف تبدأ من حل المشكلة أولاً، وتعزيز التشاركية بين المواطن والدولة على مواجهة أي مشكلة، ورفع سوية الوعي بالمواطنة لدى الأفراد بما ينعكس لاحقاً على زيادة فعالية أدائهم في المجتمع، وعلى أن الأساس لدى أي مواطن هو تأمين ضرورياته اليومية، ليتمكن لاحقاً من التفكير بما هو أبعد، فالمثل الشعبي يقول: "العقل ما يفكر والبطن فاضية".

إن الوقوع في مطبات مجتمعية من قبيل "رفض الآخر"، تحتاج تكاتف من قبل قادة الرأي العام في المجتمع للعمل على بناء قاعدة تؤسس عليها الدولة جملة من القوانين التي تزيل هذا المطب الذي قد يتسبب بالذهاب نحو ارتكاب الأفراد لـ "جرائم كراهية"، ولنأخذ على سبيل المثال قضية "الشذوذ الجنسي"، في دول أوروبا الغربية، التي كانت تعاني من زيادة في عدد جرائم الكراهية ضد من يمارسون عادة جنسية مختلفة عن الطبيعي، وتمكن قادة الرأي العام بعد مجهود كبير من الضغط على الحكومات لوضع قوانين صارمة لمواجهة "جريمة الكراهية"، من ثم وضع "حقوق" للشواذ، وخلال هذه الفترة كان العاملون والناشطون في القطاع المجتمعي، يقودون الرأي العام في دولهم نحو تشكيل وعي بضرورة تقبل الآخر أياً كان ميله وألا يدخل المرء في دوامة ممارسة "الكراهية"، بحق المختلف عنه بالميل الجنسي، وبنتيجة هذا العمل الجماعي بين قادة الرأي العام في هذه الدول، تمكنت بالضرورة من خفض نسبة جرائم الكراهية إلى حدودها الدنيا.

إن الهوة بين الأفكار التي يريد الترويج لها قادة الرأي العام في الوقت الحالي، وبين حاجات المجتمع الأساسية تحتاج بالضرورة إلى وقفة متأنية من قبل أي شخص يجد في نفسه القدرة على التأثير بالمواطن عبر النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فـ"حصاد اللايكات"، ليس مهماً، بقدر أهمية أن يكون عائد هذا الحصاد واقعا ملموساً في المجتمع، على أن يكون إيجابياً بما يخدم القضايا الأساسية أولاً، فالتفكير بآليات تأمين الظرف المعاشي المناسب للمواطن، ورفع مستوى الوعي لديه، مع دفعه للتمسك بـ "العيش المشترك"، أياً كان الاختلاف المعرفي أو الديني مع الآخر، سيمكن من الذهاب نحو القضايا الأكبر حجما، كالمدنية التي قد يتعارض طرحها مع الكثير من الموروثات المجتمعية.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: