"أيمن زيدان" يُغوينا بـ"تراجيديا الألم"
ترك الفنان "أيمن زيدان" في ذاكرتنا العديد من المشاهد التي يصعب أن تُمحى، بعد العرض الخاص لفيلمه الروائي الطويل الأول "أمينه" في صالة سينما سيتي، ليس أولها تلقيم ثقوب "النورج" بالصخور السوداء، بكاميرا مُقرَّبة، لتُعلن المِطرقة بداية الرحلة السينمائية، وثم حركة الأب "الداروس" فوق قطعة الخشب تلك، والأم التي تلعب دور "المشوعب" بِرَمْيِها السنابل المفروشة على "الطرحة" في طريقه ليَدْرُسَها، بحركة دورانية مُتمَهِّلة ساحرة، وتبادل الأدوار مع "الابن سهيل.. جود سعيد" و"زوجته.. نجاح مختار"، حيث تُركِّز الكاميرا على المُقاربة بين زمنين، وبين حركة الفرس وقدمي "سهيل"، بعدما شاهدناه أسير سريره مُعتقدين أنه المَيِّت لتتضح لُعبة المفاجآت التي لم يتوقَّف "زيدان" عن توريطنا بها، أن المتوفى هو الأب، وبمشاهد متوازية نرى الابن في حمامه أشبه بالميت، لكن أمل "أمينة" وإصرارها عليه يبقى المحفز أول للصراع الدرامي في هذا الشريط، فبين الأمل وجميع مُعزِّزات اليأس تقف الأم "أمينة.. نادين خوري" لترسم صورة برَّاقة تواجه فيها جميع المُحبِطات ومُثبِّطات العزيمة سواء التعب أو الفقر أو العجز أو الديون المتراكمة أو طمع الآخرين أو تخلِّيهم عن مؤازرتها... فكما تتمسك بالبيدر وترفض بيعه فإنها تُمانع بأقسى ما تستطيع فكرة أن ابنها المُجند الذي أقعده انفجار في سرير غير قادرٍ إلا على الرَّمش بعينيه، سيبقى على هذه الحال، وعلى هذا الأساس تتعاظم مشاعرها في الفيلم ويتعزز يقينها بأن حُلمَها سيتحقق بأن ترى ابنها يركض، وفي صراع موازٍ تكون قادرة بالأمل أيضاً أن تشفي المرأة التي اشتغلت عندها من عجزها.
خطوط متوازية رصدها السيناريو (كتبه "زيدان" بالتعاون مع "سماح قتال") تلتقي في وجدان "أمينه" التي تحمَّلت المزيد كي تحمي ابنتها وشغفها بأن تراها معلمة وأن تتزوج بمن تحب، هذه المرأة تقف شامخة بالأمل وحده، لا يحدوها عنه أي شيء، ويبرز في الشريط (إنتاج المؤسسة العامة للسينما) كثيمة متكررة فها هي "سهيلة.. لمى بدور" تتلمسه عبر السينما، إذ استلهمت من أحد الأفلام التي تشاهدها طريقة لفهم ما يدور في خاطر أخيها المشلول، وحتى حُبَّها لـ"وليد.. حازم زيدان" الذي حاولت التخلِّي عنه بعد عرض "أبو سهير.. قاسم ملحو" بأن يكون مهره لها إعفاء عائلتها من كل ديونها له، يعود ليُزهر مع إرادة الأم وأملها، لكن لا اكتمال للفرح في هذا الفيلم، فخسارة "أبو سهير" لعروس أحلامه، تجعله راغباً بافتراسها، ورغم فشل محاولته في اغتصابها أمام أخيها إلا أن ذلك يودي بحياة "سهيل"، ليكون وقع هذا الحدث صاعقاً على الأم التي اصطحبت معها كرسياً متحركاً لإيمانها بأنه سيكون منتصف الطريق قبل أن يمشي، وبذلك تكتمل دائرة الأسى الخاصة بها، بعدما خسرت أملها وهي تدافع عنه، لنحظى بمشهدٍ آسرٍ لـ"أمينه" وهي تجرُّ النَّورجَ بجبينها خاتمةً حُزنها على حياتها وبيدرها المحروقين بخطٍّ ناصع البياض رسَمَه تعبُها وأملُها الذي لم تنثني عزيمته حتى النهاية، وكأن كل أفعالها هي ترداد لمقولة نيكوس كازنتزاكس: «الحقيقة لا أمل منها، الحقيقة هي اليأس، مثل الضياء المبهر يعشي البصر ولا ينير الطريق»، وليكون "زيدان" قدَّم لنا نوعاً خاصاً من التراجيديا يمكننا تسميته بـ"تراجيديا الأمل".
بواسطة :
شارك المقال: