Friday November 22, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

أوراق حياتها: «كيف كسرت نوال السعداوي قضبان الحديد بالكتابة»

أوراق حياتها: «كيف كسرت نوال السعداوي قضبان الحديد بالكتابة»

حلا علي

«لو أن لي أن أختار عنواناً لرحلة حياتي لقلت: رحلة طويلة وسوف تطول أكثر»، هذا ما اختارت نوال السعداوي أن تعنون به حياتها، وفي سيرتها الذاتية تحت عنوان "مذكرات طبيبة" (1958) كتبت «...إن إرادتي هي التي تحكمني وليس المكان أو الزمان أو الناس». 

واليوم ترحل الطبيبة والروائية والناقدة لتترك لآلاف القراء إرثها الفكري، تتحدى به الوجود المادي في المكان والزمان.

ولدت السعداوي في قرية خارج القاهرة عام 1931، وكتبت أولى رواياتها وهي في الثالثة عشر من عمرها، لتتبعها بعد ذلك بعشرات الكتب التي تنوعت مواضيعها بين النقد الاجتماعي والدراسات التحليلية كالمرأة والجنس والرجل والجنس والرواية كسقوط الإمام وامرأتان في امرأة والسيرة الذاتية مثل أوراق حياتي ومذكراتي في سجن النساء.

«جنس الإناث، الذي يحدد مصيرنا البائس»

من تجارب الطفولة المريرة التي وثقتها السعداوي الختان الذي تعرضت له في سن السادسة، والذي وصفت ألمه في كتابها الوجه العاري للمرأة العربية، حين أُخضِعت له على أرضية الحمام بحضور والدتها المبتسمة.

روت في الكتاب تجربتها كطبيبة القرية وشاهدة على الاعتداءات الجنسية و "جرائم الشرف" وزواج القاصرات الذي أسمته بالدعارة المقنعة. فأثارت حالة من الغضب لدى منتقديها الذين اتهموها بتنميط صورة المرأة العربية.

وطوال حياتها أخذت على عاتقها شن حملات ضد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية لأنها اعتبرتها أداةً لقمع النساء واستسهالاً لتعريض حياتهن للخطر، خاصة وأنها استقبلت خلال عملها حالات شارفت على الموت بسبب تلوث الأدوات أو النزيف الحاد.

حصلت السعداوي على بكالوريوس في الطب من جامعة القاهرة عام 1955 وعملت كطبيبة، لتتخصص في النهاية في الطب النفسي.

شغلت منصب مديرة الصحة العامة في مصر، لكنها أُقيلت عام 1972 بعد نشر كتابها، المرأة والجنس، الذي انتقد ختان الإناث والقمع الجنسي للمرأة. وبعد ذلك بعام واحد أغلقت المجلة الطبية التي أسستها بسبب آرائها الجريئة.

«كسرت قضبان الحديد بالكتابة»

استمرت نوال في الكتابة حتى بعد إغلاق مجلتها. وفي عام 1975، نشرت رواية امرأة عند نقطة الصفر، مستندة إلى قصة واقعية لامرأة قابلتها في سجن النساء وقد حكم عليها بالإعدام.

ثم، في سبتمبر/أيلول من عام 1981، اعتقلت السعداوي ضمن حملات اعتقالات المعارضين في عهد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات واحتجزت لمدة ثلاثة أشهر كتبت خلالها مذكراتها على ورق التواليت وبقلم حواجب هربته لها سجينة من عنبر الآداب، وتقول عن هذه التجربة "لم أعرف الحزن في السجن لأني كنت منغمسة في الكتابة".

«الوجه هو كرامة الإنسان»

بعد اغتيال الرئيس السادات أطلق سراح السعداوي، لتتربص الرقابة بأعمالها ويتم حظر كتبها. كما تلقت تهديدات بالاغتيال من الأصوليين الدينيين بسبب آرائها الرافضة للنقاب والحجاب: "كيف تكلم شخصاً بلا وجه... أنا أعتبر أن التعرية كالتغطية تجرح كرامة الإنسان". وعلى خلفية تصريحاتها عن الأديان والإسلام وأركانه، قُدمت السعداوي للمحاكمة، لتذهب في النهاية إلى المنفى في الولايات المتحدة حيث أمضت 20 عاماً.

هناك واصلت توجيه الهجمات ضد الدين والاستعمار والنفاق الغربي. ولم تتوقف عند شجب الحجاب بل أيضاً الماكياج والملابس الكاشفة- مما أزعج حتى النسويات من زميلاتها.

عادت السعداوي إلى مصر عام 1996، وفي عام 2004 ترشحت لرئاسة الجمهورية، وتظاهرت في ميدان التحرير بالقاهرة عام 2011 ضد الرئيس المصري حسني مبارك.

«أنا مسلمة بالصدفة... أنا امرأة بالصدفة»

دائماً ما أكدت السعداوي على أن الإنسان لا يختار الدين أو الجنس الذي يولد عليه: "أنا لم أختر جنسي، فلماذا نعاقب الشخص المثلي على ما لم يختر أن يكونه؟". وقد أدانت "قسوة المجتمع الذي يرفض الاختلاف ويحتقره"، ودعت لإعادة التفكير في كل ما توارثته المجتمعات العربية من قوالب ثابتة. كما اعتبرت أن الممارسة الجنسية متنوعة ومختلفة وفريدة كالبصمة، تحكمها عدة عوامل كالبيئة والثقافة والتجارب الشخصية وليست بوصلة أخلاقية.

«أرفع صوتي لأني أشعر بالغضب»

خلال مقابلتها مع قناة بي بي سي عام 2018، سألتها محاورتها زينب بداوي "أليس ممكناً أن تخدمي قضاياك بشكل أكبر لو خففت من حدة انتقاداتك؟"، ردت السعداوي: «لا، بل يجب أن أكون أكثر حدة وأكثر عدوانية، لأن العالم أصبح أكثر عدوانية، علينا أن نرفع صوتنا عالياً ضد الظلم».

نالت السعداوي تقديراً عالمياً واسعاً، حيث تُرجمت كتبها إلى أكثر من 40 لغة. كما حصدت العديد من الدرجات الفخرية من جامعات حول العالم. في عام 2020، صنفتها مجلة تايم ضمن الـ 100 سيدة الأوائل في العالم، لتحتل صورتها الغلاف الأمامي للمجلة.

لكن شيئاً واحداً بقي بعيد المنال: تلك المرأة التي حصلت على مرتبة الشرف في جميع أنحاء العالم، لم تحصل على شيء من بلدها سوى بعض الاتهامات بالكفر والإلحاد وتحريف النص الديني، طالتها من الشامتين حتى بعد رحيلها.

نوال، المثيرة للجدل، المتمردة الغاضبة، صاحبة الفكر السابق لعصره، علمت أن إرثها يبقى ويحارب الموت: "أنا سأموت وأنت ستموت، ولكن الأهم هو كيف تعيش حتى يأتي الموت".

المصدر: خاص

شارك المقال: