Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

الولايات المتحدة تطلق صراع تسلحٍ جديد

الولايات المتحدة تطلق صراع تسلحٍ جديد

فارس الجيرودي

أمس دخل العالم مرحلة جديدة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان وزير خارجيتها "مايك بومبيو"، تعليق الالتزام الأمريكي بمعاهدة حظر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية، حيث أمهل بومبيو موسكو مدة ستة أشهر لوقف ما تزعم واشنطن أنه خرق روسي للمعاهدة، قبل أن تنسحب الولايات المتحدة بشكلٍ الكامل منها.

وكان الرئيس الروسي رد مباشرة عقب الإعلان الأمريكي، فعلق بالمقابل الالتزام الروسي بالاتفاقية، كاشفاً أن بلاده ستبداً في تطوير صواريخ فرط صوتية متوسطة المدى، وستنتج نسخاً جديدة من صاروخ "كاليبر" الموجه بالأقمار الصناعية، وستقوم بنصب هذا الطراز لأول مرة على اليابسة.

 ليعود العالم بذلك إلى ما قبل ثلاثين عاماً عندما أوقفت المعاهدة الموقعة عام 1989 أكبر سباق تسلح في التاريخ بين موسكو وواشنطن، لكن تعليق العمل بالمعاهدة اليوم لا يمس فقط علاقة القوتين العسكريتين الأكبر، بل يمس ربما بشكل أكبر العلاقات بين كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي، وواشنطن وبكين.

فالدول الأوروبية تعتبر الطرف الأكثر تضرراً من إيقاف العمل بالمعاهدة، لأن بنودها تتعلق بالصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، التي لا يطال مداها الأراضي الأمريكية إذا أطلقت من روسيا، بل يمكن أن يطال برلين وباريس ولندن، كما أن الولايات المتحدة لن تنصب بعد تعليقها المعاهدة هذه النوعية من الصواريخ في أراضيها، بل في قواعدها العسكرية المنتشرة في أوروبا، وبالتأكيد لن يكون الأوروبيون سعيدين باستعادة سيناريوهات الحرب الباردة، التي كانت تتحدث عن احتمال توجيه ضربة نووية لهم، في حال اندلعت المواجهة الكبرى بين واشنطن وموسكو.

كما أن ارتفاع منسوب التوتر في العلاقة بين الأمريكيين والروس، يزيد موقف الأوروبيين وبالذات الألمان حرجاً، فهو يستدعي منهم حسم انحيازهم لأحد الطرفين بشكل نهائي، وهذا يبدو مكلفاً إذا تذكرنا حجم المصالح الاقتصادية الضخمة التي تربط ألمانيا وروسيا، حيث تعتمد ألمانيا «قاطرة الاقتصاد الأوروبي» في معظم إمداداتها من الطاقة على الغاز الروسي الوفير والرخيص، وهي ناورت بصعوبة للتخلص من الضغوط الأمريكية التي انهالت عليها لوقف مشروع أنبوب الغاز  "نورد ستريم 2"، إثر التوتر الأخير في العلاقات الروسية-الأمريكية على خلفية حربي سوريا وأوكرانيا، حيث تمكنت برلين من إقناع واشنطن بأن المشروع استثناء، وأن أي مشروع مستقبلي مع روسيا سيخضع للنقاش مع الاتحاد الأوروبي، اليوم ومع زيادة منسوب التوتر والعودة لأجواء الحرب الباردة، لن تجد ألمانيا أي فرصة لموازنة علاقاتها بكل من موسكو وواشنطن، وسيكون عليها بدلاً عن ذلك أن تحسم خياراتها.

لكن وعكس ما يعكسه ظاهر الحال، هناك طرف دولي آخر هو المعني الأكبر بقرار واشنطن إيقاف العمل بالمعاهدة، فقد كشفت الأشهر القليلة الماضية أن الصين استغلت بكفاءة سنوات التزام الطرفين بحظر الصواريخ المتوسطة و القصيرة المدى، فكانت المستفيد الأول من الاتفاقية التي لم توقع عليها، حيث قامت وبسرية تامة بتطوير سلسلة من الصواريخ الفرط صوتية متوسطة وقصيرة المدى والتي حظرت المعاهدة على كل من موسكو وواشنطن العمل على تطويرها، وفجأة وإثر التوتر الأخير في العلاقات الصينية- الأمريكية على خلفية الحرب التجارية التي شنها ترامب على البضائع الصينية، وعلى خلفية التصريحات بين الطرفين بشأن قضية تايوان، كشفت الصين عن سلسلة انجازاتها التقنية في مجال الأسلحة الصاروخية الفرط صوتية، والتي يمكن أن تعدل ميزان القوة العسكرية مع واشنطن التي تتفوق بعدد حاملات الطائرات والغواصات النووية، وتتفوق كذلك بسلاحها الجوي.

لا شك  أن العالم ليس بحاجة لمزيد من الأسلحة أو انتشار وسائط دمار شاملٍ جديدة، بل هو يبدو بأمس الحاجة للانفاق على مواجهة  الأخطار الحقيقية التي تهدد الحياة الإنسانية كالفقر والجوع، لكن ورغم ذلك يمكن للقرار الأمريكي الأخير بشأن المعاهدة أن يكون مفيداً، لجهة إزالة أي وهم لدى صناع القرار في كل من موسكو وبكين، بشأن امكانية التوصل لتسوية مع واشنطن، أو تأجيلٍ للصراع معها، فهي وكما ثبت لازالت  مصممة اليوم كما كانت بالأمس على إخضاع العالم بأكمله لإرادتها، ودون شروط. 

 

المصدر: خاص

شارك المقال: