السياسيات النقدية الحكومية غير مفهومة
د.عمار اليوسف
مازلنا ومنذ أشهر ونحن كمواطنين نتحمل هذه العبثية في تحديد سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية الأمر الذي أصاب الأسواق السورية بالشلل الكامل لانعدام إمكانية التسعير فيما بين التجار والمواطنين والتجار أنفسهم الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار إضافة لاحتكار بعض المواد في السوق المحلية.
ليس من المهم بالنسبة للاقتصاد والعمل التجاري سعر الدولار مرتفع كان أم منخفض لكن الأهم بالنسبة للاستقرار هو ثبات هذا السعر ولمدة طويلة لتتم المبادلات من خلال العملة الوطنية وليتم الاستيراد وفق أسس ثابتة غير متحولة وأن يكون السعر مع هامش ربح التجار مستقراً ضمن حدود معينة الأمر الذي يؤدي إلى توفير المواد خاصة المعتمدة على الاستيراد.
مازالت السياسيات النقدية الحكومية غير مفهومة حتى هذا الوقت فهي أي الحكومة لا تتدخل في السوق النقدي بأي شكل كان تاركة المضاربين وتجار السوق السوداء ومجموعة من المواقع الالكترونية غير معروفة التبعية هم من يقودون العملة الوطنية في مواجه الدولار والعملات الأخرى وهم أصحاب المصلحة في عدم استقرار السوق النقدي.
ومازالت الحكومة تقول أنها ستمول مستلزمات العمل الزراعي والعمل الصناعي وترفع هذا الشعار منذ بداية العام ولكن المراقب للوضع العام يرى كلام فقط للإعلام فلم نرى أي تمويل للزراعة أو الصناعة حتى هذا التاريخ ونقصد بهذا التمويل التمويل الاستثماري الذي يؤدي إلى تحسن في السوق المحلي سواء لجهة الإنتاج أو لجهة انخفاض الأسعار وتأمين المواد الأساسية لكافة المواطنين بل على العكس مازالت السوق السورية تغرق بالمستلزمات الكمالية ولعل السيارات أهم تلك المستلزمات فما علاقة سيارة يصل سعرها إلى 30 مليون ليرة سورية بالصناعة والزراعة صحيح أن الحكومة لا تقوم بتمويل هذه المستوردات الكمالية لكن التجار والمستوردين يقومون باستجرار القطع الأجنبي من السوق السوداء المحلية الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الليرة السورية بشكل متتالي.
لقد بات هنالك ما يمكن تسميته سياسية ( التعويد ) للمواطن السوري ففي وقت يصبح فيه سعر الدولار 690 ليرة سورية بعد أن كان 540 ليرة سورية وخلال شهر واحد يقوم المضاربين بلحظة إلى تخفيضه إلى 600 ليرة سورية ليقوموا برفعه ببطء وخلال عدة أيام إلى 650 ليرة سورية لينسى المواطن ما كان سعره الحقيقي قبل هذه اللعبة حيث كان 540 ليرة سورية وليعتبر أن هنالك انتصار نقدي في تخفيض السعر من 690 ليرة سورية إلى 650 ليرة سورية مع العلم أن السعر ارتفع عملياً 100 ليرة سورية وخلال أقل من شهرين مع ملاحظة أن الأسعار التي ارتفعت عندما وصل الدولار إلى 690 ليرة سورية لم تعاود الانخفاض وانما ثبتت على سعر الدولار 690 بل أن بعض التجار بخطوة استباقية قام برفع الأسعار معتبراً أن الدولار سيصل إلى 900 ليرة سورية.
أن المناخ الأساسي للاستثمار في أي بلد شرطه الأساسي استقرار عملة هذا البلد وبدون هذا الاستقرار سوف لن يكون هنالك أي استثمار فلا يمكن لتاجر أو مستثمر المخاطرة بتحول أرباحه كلها إلى خسائر نتيجة انخفاض سعر الصرف في تلك البلد التي سيستثمر فيها.
لا بد من التنبيه للحكومة والقائمين على السياسة النقدية في سوريا أنه في حال استمرار هذه المضاربات واللعب بالعملة الوطنية مهما كان المبرر والسبب من وراء ذلك هي لعبة خطرة ولا بد من وضع حد لها لأنها مقامرة بالعملة الوطنية وان الاستمرار في سياسية التخلي عن السيطرة على سوق القطع سيؤدي إلى انهيار في العملة الوطنية الأمر الذي سيدمر سوريا اقتصادياً ولا بد لأصحاب القرار من اتخاذ إجراءات استثنائية تهدف إلى السيطرة على السوق ولعل أهمها منع التداول ومنع الحيازة واغلاق مكاتب الصرافة وحصر التعامل بالدولار بيد الدولة وليس بيد غيرها.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: