النيوزويك:يوتين يعيد نفوذ روسيا للبلقان
ترجمة: يارا صقر، تحرير: فارس الجيرودي
يقوم الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بزيارة رفيعة المستوى إلى منطقة البلقان، حيث يبدو أن أولويات زيارته تتمثل في محاولة استمالة حكومات المنطقة لتدير ظهرها لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتبني علاقتها استراتيجية بديلة مع موسكو.
وقبل أيام من وصوله إلى صربيا تحديداً يوم الثلاثاء، أجرى بوتين مقابلة حصرية لصالح اثنين من وسائل الإعلام الصربية رأى خلالها أن الولايات المتحدة تحاول زعزعة استقرار منطقة البلقان.
حيث قال بوتين: «فيما يتعلق بالوضع في البلقان، فإن سياسة الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى التي تهدف إلى تأكيد دورها المهيمن تظل تشكل عاملاً خطيراً يزعزع الاستقرار هنا»، مضيفاً أن جار صربيا "الجبل الاسود" قد تمت "استمالته" إلى حلف شمال الأطلسي، ونشر الكرملين فيما بعد المقابلة على موقعه الإلكتروني الرسمي.
في هذه الأثناء، يبدو أن الرئيس الصربي "ألكسندر فوتشيتش" والذي كان يدعو إلى انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، يلعب حالياً إلى جانب بوتين من خلال دعوة بعض أكثر الأصوات المناهضة لحلف الناتو في المنطقة لحضور اجتماعات رسمية خلال زيارة الزعيم الروسي وذلك حسبما ذكر بعض الخبراء.
ففي يوم الأربعاء الماضي، و قبل يوم من وصول بوتين إلى العاصمة الصربية "بلغراد"، ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن ألكسندر فوتشيتش دعا زعماء حزب الجبهة الديمقراطية المعارضة في جمهورية الجبل الأسود المجاورة إلى مأدبة غداء رسمية تكريما لبوتين.
حيث أعرب بعض المحللين عن دهشتهم من دعوة مجموعة معارضة من بلدٍ مجاور لحضور اجتماع مع رئيس دولة أجنبي، فالجبهة الديمقراطية في "الجبل الأسود" هي حزب مؤيد لروسيا يتألف من مجموعات تعارض عضوية البلاد في الناتو.
كما زعم مسؤولون في "الجبل الأسود" أن روسيا حاولت تنظيم انقلاب في عام 2016 لإيصال الجبهة الديمقراطية إلى السلطة، وهي خطوة كان من شأنها أن تمنع البلد الصغير من الانضمام إلى حلف "الناتو".
ولكن الانقلاب فشل، وانضم "الجبل الأسود" إلى التحالف العسكري الغربي "الناتو" في حزيران 2017.
يذكر أن قائدا الجبهة الديمقراطية اللذين دعيا إلى مأدبة الغداء في "بلغراد" يوم الخميس مع بوتين وأندريا مانديتش وميلان كنيزيفيتش، قد سبق لهم القيام بزيارة إلى موسكو في الآونة الأخيرة في تشرين الأول من عام 2018.
ويقوم حزبهما بتصريحات متكررة، يشدد من خلالها على ضرورة إقامة علاقة قوية مع موسكو.
ويشير الخبراء إلى أنه إذا كانت التقارير صحيحة، فإن الدعوة سوف تشير إلى أن رئيس صربيا فوتشيتش هو أكثر قرباً لموسكو مما يرغب حلفاؤه في دول أوروبا الغربية.
«من المخيب للآمال للغاية أن الرئيس الصربي الكسندر الذي يتبنى علناً سياسة تؤيد انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي، سيدعو القادة السياسيين من حزب سياسي معادٍ للغرب في الجبل الأسود، إلى حضور استقبال الرئيس بوتين في بلاده» يقول "مايكل كاربنتر" نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق والمكلف بشؤون روسيا وأوكرانيا وأوراسيا والبلقان في تصريح حصري لمجلة "نيوزويك".
ويزعم نائب وزير الدفاع السابق حسب تقرير المجلة الأمريكية أن «كلاً من مانديك وكنيزيفيتش، تلقيا تمويلاً روسياً سرياً وقد يكونا لعبا دورا في محاولة الانقلاب في الجبل الأسود، التي نظمتها وحدة الاستخبارات العسكرية الروسية في تشرين أول 2016، وعلاوة على ذلك، فهم ليسوا حتى سياسيين صربيين لذا من الغريب أن يُدعَون إلى الاحتفال من قبل بوتين في بلغراد».
ورأى المسؤول الأمريكي السابق أنه «لسوء الحظ ، ما حدث يثبت أن الرئيس الصربي لا يستطيع أن يقول لا لبوتين، لأنني لا أستطيع أن أتخيل الدافع وراء هذه الدعوة من بلغراد إلا أن تكون بناءاً على طلب بوتين».
لم يرد الرئيس الصربي على طلب مقابلة قدمتها مجلة "نيوزويك" للتعليق حول سبب الدعوة.
وفي هذه الأثناء، سيتوجه أيضاً "ميلوراد دوديك"، زعيم المنطقة التابعة للصرب في البوسنة والهرسك المجاورة، جمهورية "صربسكا"، إلى بلغراد للاجتماع مع بوتين.
فيما عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية "ميلوراد دوديك" في عام 2017 بسبب إجراء استفتاء حول الاحتفال بيوم جمهورية "صربسكا"، وهو حدث سنوي يقول المسؤولون الأمريكيون إنه يتضمن نوعاً من التمييز العنصري ويمنع تنفيذ اتفاقيات دايتون لعام 1995 التي أنهت الحرب في البوسنة.
لكن العقوبات لم تمنع مساعدي حملة الرئيس ترامب الانتخابية السابقين من توقيع اتفاقيات صفقات سياسية مع حزب دوديك السياسي.
وقد دعا دوديك جمهورية صربسكا للانقسام مما تبقى من البوسنة والهرسك، وتبين التقارير أنه كان يتلقى معدات عسكرية من روسيا، حيث تشيع أنباء عن أن موسكو تدعم طموحات دوديك الانفصالية عن جمهورية البوسنة والهرسك الموالية للغرب.
«لقد برز دوديك، كما يمكن القول، باعتباره الشخصية الأكثر معارضة للناتو في المنطقة بأسرها ، حتى أكثر من حكومة الكسندر»، يقول "جاسمين موجانوفيتش"(مؤلف كتاب " الجوع والغضب والذي يتكلم عن الأزمة الديمقراطية في البلقان") في تصريح لمجلة نيوزويك.
وتابع مويانوفيتش «إن دوديك متحمس للغاية للدعم الروسي، لأنه يعتقد أنها أفضل فرصة له على المدى الطويل للبقاء في ميدان السياسة» ولهذا السبب - منذ عام 2016 على وجه الخصوص ، قام نظامه بشكل صارخ وعنيف كما تقول "النيوزويك" بإنشاء هياكل أمنية موازية في البوسنة: «تجنيد قوات شبه عسكرية تدربها روسيا ، والتوقيع على اتفاقيات تعاون مع الحكومة الانفصالية المدعومة من روسيا في أكرانيا، "أوشيتيا الجنوبية"، وكذلك دعوة أجهزة الأمن الروسية لتدريب شرطة جمهوريته».
وأضاف مويانوفيتش «إن وجود دوديك في بلغراد جنبا إلى جنب مع مدبري الانقلاب من الجبل الأسود حول زيارة بوتين إلى قمة إقليمية مناهضة للناتو برعاية الكرملين».
لم يحاول المسؤولون الروس إخفاء جدول أعمالهم في البلقان، ففي يوم الخميس الماضي، صرح وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" للصحفيين أن روسيا لن توافق أبداً على انضمام البوسنة لحلف شمال الأطلسي، حيث تتزامن زيارة بوتين مع بعض أكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في التاريخ الحديث في شوارع بلغراد.
لكن المراقبون يشيرون إلى أن العديد من المشاركين في الاحتجاجات لديهم وجهات نظر متضاربة حول علاقة البلاد مع روسيا.
«لا توجد وجهة نظر واحدة حول العلاقة مع روسيا، ومع ذلك، فإن جميع المتظاهرين يتشاطرون الرأي القائل بأن الرئيس الكسندر يسيء استخدام زيارة بوتين لأهدافه السياسية الخاصة من أجل تعزيز سمعته المهتزة بين المواطنين »، قال ميليفويي بانتوفيتش ، وهو مراسل تحقيق في بلغراد ، لمجلة" نيوزويك ".
وبدلاً من جعل الكسندر يبدو أكثر قوة ، يقول الكثيرون إن وجود أشخاص مثل دوديك في بلغراد يلقي بظلال من الشك على صدق المواقف السياسية التي أعلنها الرئيس الصربي سابقاً.
قال ريتشارد كريمر الخبير في البلقان بمعهد أبحاث السياسة الخارجية في حديثه مع مجلة نيوزويك: «بالنظر إلى التوازن الثمين الذي حققه الكسندر بين أوروبا الديمقراطية وروسيا وبوتين، فإن هذه الخطوة الأخيرة تقترح بأنه قرر أخيراً إدارة العلم الصربي نحو الشرق».
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: