المسرح التجاري.. ليس عيباً يا سادة!
نكون مجحفين بحق المسرح بشكلٍ عام إن أكثرنا القول إن المسرح بات مهجوراً وأن خشب صالات العرض يئنُّ وحيداً. فالأيام أثبتت أن المسرح ما يزال يحتفظ بعشاقه وعدد هؤلاء العشاق لم يتناقص بالتصورات التي يرميها البعض، إلا أن الجمهور يميّز بشكل جيد ما يريد حضوره، وهو ينجذب إلى كل عرض يجد نفسه متفاعلاً فيه مع الخشبة بأحاسيسه وأفكاره.
يعادي أغلب المسرحيين السوريين الأكاديميين المسرح التجاري ويطوقونه بنظرياتهم ولكنهم أنفسهم لا تغيب عن ذاكرتهم أيام كان المسرح القومي يقدم المسرح الفصيح الملتزم، بينما تقدم الفرق التجارية عروضها إلى جواره ولكل عرضٍ جمهوره، وعليه فإن هذه المراجعة للذاكرة تعيد الأحقية بوجود خشبات للمسرح التجاري تحاكي الناس لا القضايا الكبرى بكلمات كبرى، فأكبر اللقضايا يمكن أن يعبر عنها إنسان بسيط بلغته البسيطة، وهو ما افتقدته العروض المسرحية وإن كان ثمة محاولات لتبسيط اللغة المسرحية وتقديم العروض باللغة المحكية على خشبة القباني وهو أمرٌ كان مستهجناً سابقاً.
لا يعتبر المنع هو الوسيلة الأفضل لتخطي أي شيء، وهذا ما أثبتته الحياة في كل الاتجاهات، وربما من التطرف أن نقول حتى الرديء يستحق أن تراه الشمس، ولكن الهدف أن تزيح العفن إن وُجِد حتى لا يتراكم في الخفاء وينفجر دفعة واحدة، والمسرح التجاري ليس رديئاً وليس عفناً إنما هو جذبٌ للناس البسطاء إلى الخشبة، لتحكي لهم حكاية لا لكي تلقنهم عبرة، وتملأ عقولهم بالشعارات. فالأردأ أن تكتب نصاً مسرحياً وأنت متعالٍ على الجمهور أو تقصد تربيته، وهو فخٌّ وقعت فيه السينما والمسرح في البلاد في أغلب حالاتها، فهي جميلة ونبيلة وقدمها أناس حريصون على الفن السابع وأبي الفنون إلا أن الخطأ كان إقصاء النوع التجاري منها، والابتعاد عن شباك التذاكر وشيئاً فشيئاً تخلى المستثمرون عن سوق العمل هذا وباتوا يكررون أن العمل في هذا القطاع خسارةٌ مؤكدة، ومع القطيعة تراجع التعاطي مع الكتابة المسرحية الشعبية، وصارت مهجورة ومتهمة أيضاً بالإسفاف والرذيلة، وهذا ما تجده في أي كلام منسوب لأي مختص مسرحي وهو يتحدث عن المسرح التجاري، يخاطبه بتعالٍ واضح في حين أن المختص نفسه يعمل في الدراما التلفزيونية على سبيل المثال ضمن شروط العمل التجاري والقطاع العام، في حين أن حقيقة الأمر تشير إلى أن المسرح إذا تأسس ليكون له شباكه وخشباته التجارية وجمهوره، لن يهز عرش المسرح (الجاد) إن مازالت هذه التسمية مستخدمة، فأجمل ما يمكن أن نتخيله في ساحات المدن السورية أن نجد مسارح للأوبرا والرقص الشعبي والمسرح التجاري والمسرح الأكاديمي وكل الفنون متجاورة وتعرض في الساعة نفسها والجمهور يتدفق لحضور ما يناسب رؤيته ومزاجه في وقت العرض فالجدية الدائمة "مرض" حسب توصيف الشاعر محمد الماغوط، حمانا الله من الأمراض.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: