المضمون الاقتصادي ... لمنطقة شرق الفرات
الدكتور مدين علي
إنجازات استراتيجية كبرى، تجري في سوريا، مع عودة مساحات كبرى، من جغرافيا ما أُصطُلِح على تسميته "منطقة شرق الفرات"، إلى أرض الدولة السورية، وذلك بعد عملية فصل تعسفية، استمرت لسنوات طوال، نفذتها قوى إرهابية، وجماعات مسلحة. كبّدت الدولة السورية، خسائر مادية ومعنوية كبيرة، لا سيما من الناحية الاقتصادية، وألحقت بالشعب السوري، معاناة نفسية ومادية مريرة ومؤلمة.
لذلك تعدُّ العودة، وبكل المقاييس إنجازات نوعية، ستؤسس لتغيرات استراتيجية مستقبلية كبرى في سوريا، على المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية
لن نخوض كثيراً في تفاصيل البعد السياسي والاجتماعي (على أهمية ذلك)، لمسألة عودة منطقة شرق الفرات، إلى كنف الدولة السورية، إذ لا يتسع الإطار لذلك.
لكن من المهم الإشارة إلى أن المنطقة بكل المؤشرات والمضامين، تعدُّ عمقا كيانياً، متصلاً، لا منفصلاً عن الجغرافية السورية، ولا عن المجتمع السوري، بكل مكوناته الثقافية والاجتماعية، وألوانه العرقية، كما تعد المنطقة بمنظور الهوية، مكوناً بنيوياً أصيلاً من المكونات الجمعية (الكلية) للشعب السوري، من أقصى شمال سوريا حتى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها.
ويبقى السؤال المطروح، في كافة الأحوال: ماذا تعني عودة شرق الفرات من الناحية الاقتصادية ، إلى جغرافيا الدولة السورية؟
تمتد المنطقة التي أُصطُلِح على تسميتها " منطقة شرق الفرات" من الناحية الطبيعية والجغرافية، على مساحة إجمالية، تقارب (35%) من إجمالي مساحة القطر، تبدأ من القسم الشمالي من محافظة دير الزور، إضافة إلى غالبية عظمى من مساحة محافظة الحسكة حتى الحدود التركية، ما (عدا مربع وسط المدينة)، وتمتد غرباً على طول الحدود السورية التركية، حتى محافظة القامشلي والرقة. ويعد نهر الفرات، الحد الفاصل، بين ما تم الاتفاق على تسميته، منطقة شرق الفرات، وبين الأراضي السورية، يقطنها العرب والكرد، بنسب يدور عليها جدل، وتختلف بخصوصها الروايات، إلا أن غالبيتها، وبحسب العديد من الدراسات والوقائع هم من العرب.
تعد منطقة شرق الفرات تاريخياً، من الناحية الاقتصادية، قاعدة صلبة للاقتصاد السوري، لطالما يتركز فيها ما يقارب (70%)، من الموارد الاقتصادية الإستراتيجية (النفطية والزراعية)، التي تعدُّ الأساس المادي، أو القاعدة الصلبة، التي استندت إليها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سوريا، طوال العقود الماضية، حيث أن حوالي (75%) من مساحات الأراضي المزروعة، بأنواع القمح المختلفة في سوريا، تتركز في منطقة شرق الفرات، فضلاً عن احتواء المنطقة، على عدد كبيرٍ من مطاحن القمح والحبوب المختلفة.
ويبقى الأبرز في هذا السياق، هو وجود عدد كبير من حقول النفط الإستراتيجية، التي تعدُّ من أكثر حقول النفط غزارة وإنتاجاً، كحقل عمر شمال دير الزور، وحقول النفط الكبرى في منطقة الرميلان في محافظة الحسكة، إضافة إلى حقول نفطية أخرى، منتشرة في جغرافيا المنطقة.
إن عودة الغالبية العظمى من مساحة منطقة شرق الفرات لكنف الدولة السورية، ستساعد إلى حدٍّ كبير، في التخفيف من حدة المشكلات الاقتصادية، التي واجهت الدولة السورية، و المجتمع السوري، طوال سنوات الحرب، سواء كان لجهة ما يتعلق بالمشكلات المتعلقة بتأمين إمدادات الطاقة، والمشتقات النفطية، أم لجهة ما يتعلق بتأمين الحاجة من القمح وأنواع الحبوب الأخرى المختلفة، والدقيق. إلا أن جدوى العودة، في ضوء الاستحقاقات الكبرى، التي أنتجتها الحرب، تتطلب الإسراع في تنفيذ خطة طوارئ إسعافيه، عاجلة وسريعة، خارج حلقات اللجان الإدارية، والإجراءات البيروقراطية، تستهدف تأهيل البنى التحتية، وترميم الشبكات، وخطوط نقل النفط، التي تعرضت لأضرار مادية جزئية أو كلية، جراء عمليات الحرب والتخريب والسرقة، وتنفيذ الربط بأقصى سرعة بين حقول الإنتاج، ومصافي التكرير في حمص وبانياس .
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: