Wednesday November 27, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

الفساد المستشري في سوريا

الفساد المستشري في سوريا

د.عمار يوسف

عند بزوغ شمس كل يوم يصدم المواطن السوري بظهور أحد ملفات الفساد المستشري في سوريا ويهلع لحجم المبلغ المختلس والأكثر من ذلك يتسائل ببراءة عن الامتداد الزمني لهذا الملف والذي قد يبلغ احياناً أكثر من عشرين عاماً ويقف ليسأل نفسه أين كانت الجهات الرقابية والوصائية والمكلفة رسمياً بمتابعة سير دوائر الدولة عن هذه الملفات وكيف استطاع الفاسدون التملص من تلك الجهات وكيف استطاعوا ممارسة فسادهم على مدى هذه السنوات.

سبق لنا في مقالة سابقة أن تحدثنا عن مؤسسة الفساد في سوريا وقلنا إنها تمتاز بالهيكلية التنظيمية والإدارية والاجرائية حتى أصبحت تقارب هيكلية الإدارة بحد ذاتها وأصبح لها مدراء عامون ورؤساء دواوين وحتى جهات رقابية ووصائية عليها.

المذهل في مؤسسة الفساد السورية، أنك لا يمكن أن تعرف إلى أين تمتد هذه المؤسسة لا أفقياً ولا شاقولياً.

وعلى المواطن أن يتوقع في كل يوم ظهور ملف فساد جديد، وخاصة في هذه المرحلة التي تمر على بلدنا سوريا.

ولنتحدث عن ملف الفساد الذي ظهر مؤخراً وأصبح حديث الشارع السوري بكافة فئاته وطبقاته،  ولعل الحجم الكبير للمال العام "المهدور" والأسماء المتعلقة بهذا الملف هي ما أعطى لهذا الملف أهميته ، إضافة إلى إنه يمس مفصلاً أساسياً وهاماً بالنسبة للدولة السورية وهو ملف التعليم الذي يعاني ما يعانيه سابقاً من خلال محاولات تدمير القطاع التعليمي العام لمصلحة التعليم الخاص والذي على فرض ثبوت المبالغ (المهدورة) يعتبر مؤشراً مهما على الأسباب الحقيقية لما آل إليه التعليم في سوريا ويعزز نظرية المؤامرة على القطاع التعليمي العام إضافة إلى أن الأسماء المطروحة في هذا الملف والتي ظهرت من خلال الحجوزات المالية التي تم تداولها إضافة لما سيظهر من أسماء أخرى في هذا الملف والتي أتوقع ان يفاجئ كثير من المواطنين بها تظهر بما لا يدع مجالا للشك إن الموضوع أكبر من وزارة واحدة وإن الأمر متعلق بعدة جهات أخرى حكومية وتجارية.

هذا الملف ليس الملف الوحيد الذي يجب معالجته ففي كل جهة من جهات الحكومة هنالك ملف قد يكون أخطر بكثير من هذا الملف.

و الاستمرار بالتعامل مع هذه الملفات بمبدأ النعامة من دفن الرأس في الرمال قد يؤدي إلى نتائج خطيرة على الدولة السورية خاصة في هذه المرحلة الحساسة جداً من عمر الحرب السورية فلا بد في حال التفكير بإعادة الاعمار وفق ما تتحدث الحكومة من البدء على أساسات سليمة قوية ومتينة  فأن بدأنا على نفس الأساس القديم الذي كنا نسير عليه سنوات فلن تقوم للبنيان قائمة وسنبقى عشرات السنين ونحن نحاول إعادة اعمار سوريا دون أي نتيجة فعلية وحقيقية.

أن ملف الفساد في الإدارة سيبقى بدون حل ما لم تتخذ إجراءات سريعة وفعالة لعل التفكير بالعقوبات يكون أخرها.

فلابد أن نعترف أن تشديد العقوبات سيؤدي في النهاية إلى هروب جميع التجار وأصحاب رؤوس الأموال من سوريا خاصة بالانتقائية في ملاحقة الفاسدين التي تنتجها الجهات الوصائية أحياناً حيث تصبح في بعض الأحيان سيفاً مسلطاً على تاجر دون الآخر وعلى إدارة دون الأخرى بدون سبب مفهوم.

فلكي تمنع الفساد يجب إيجاد آلية للقضاء على مسبباته ولعل الوضع المعيشي هو المسبب الأساسي للفساد فلا يمكن أن تطلب من الجائع أن يكون محصناً ضد الفساد ولا يمكن لمن لا يكفيه مرتبه لثلاثة أيام أن لا يكون فاسداً و ذلك وفق خارطة طريق واضحة المعالم للمعالجة تبدأ:

أولا: المعالجة الاجتماعية الوطنية: والمقصود بها هنا أن نعود إلى الفترة التي كان يعتبر الموظف المرتشي منبوذاً في دائرته وفي مجتمعه وحتى في أسرته أي تكريس أن الرشوة تقاوم برد فعل اجتماعي الهدف منه رفضها ورفض المرتشي والفاسد واعتبار أن المرتشي مضر بمصلحة الوطن أي انه خائن لوطنه.

ثانيا: المعالجة الاقتصادية: من خلال إيجاد طريقة لدعم دخل الموظف وتحسين حياته المعيشية من خلال حزمة من الإجراءات الغرض منها تأمين الموظف اقتصادياً ومن هذه الإجراءات زيادة راتبه ودعمه مادياً خاصة إذا كان منصبه من الأهمية بمكان يجعله يتعرض للرشوة.

ثالثا: المعالجة القانونية: لابد من تفعيل دور الجهات الرقابية ورفدها بالشرفاء ولابد من إيجاد عقوبات رادعة وكفيلة بمعالجة الفساد ومحاربة الفاسدين فلا يكفي الصرف من الخدمة بل لابد من ملاحقته جزائياً ومالياً لتعويض الدولة مما افسده من خسائر للدولة والمواطن.

لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون المؤسسات الأكاديمية هي الحل لموضوع الفساد فهي يمكن أن تكون الحل في حالة الفساد المتعلق بالدراية والعلم وهو أحد حالات الفساد لكن الحل الحقيقي يكمن في نوعية خريجين هذه الأكاديميات وهل هم من الكفاءة والأخلاقيات " والمهم هنا الأخلاقيات"  بمكان يجعلهم محصنين اتجاه المغريات المالية والإدارية التي قد يتعرضون لها.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: