الدعم الذكي ... هذا ما تقدمه الحكومة للمواطنين
د. عمار اليوسف
وما زالت الحكومة تمنن الشعب السوري بالدعم وتذكره كل فترة أنها تدعمه وأنه لا يمكن له الحياة بدونها وما زالت الحكومة تقول أنها تدعم الخبز وحوامل الطاقة و ... وما زالت بين الفينة والأخرى تهدد وتصرح بأن الدعم يستغرق منها مبالغ مالية كبيرة وانها في صدد إيجاد فكرة جديدة للدعم من خلال الدعم الذكي ومن خلال التأكيد على إيصال الدعم لمستحقيه.
وهنا وبعد هذه المقدمة لا بد لنا من تحديد حركة الدعم الحكومي تاريخياً بداية.
مما لاشك فيه أنه وأثناء الحقبة الاشتراكية في تاريخ سوريا الاقتصادي ونقصد هنا الفترة من عام 1976 ولغاية الفترة 2003 حيث كان المنهج الاقتصادي العام يهتم بالمواطن بداية ونهاية وكان الدور الابوي للدولة واضحاً وظاهراً من خلال الدعم سواء الدعم الغذائي ونقصد ما يسمى نظام ( البونات ) وكلنا نتذكرها ومن خلال دعم حوامل الطاقة من مازوت وبنزين وغاز إضافة إلى دعم المواد الغذائية ولعل أهمها رغيف الخبز وعاش المواطن السوري في تلك الفترة ما يعتبر الفترة الذهبية من حيث تأمين متطلبات العيش الكريم ولو بدون وجود الرفاهية.
تبدأ المرحلة الثانية من بداية عام 2003 ولغاية عام 2011 بداية الحرب على سوريا حيث ظهر في تلك الفترة مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي والذي بدأت بموجبه الحكومة التخلي عن الدعم الذي كانت تقدمه شيئاً فشيئاً لتدع للمواطن تأمين متطلباته بنفسه واعتمدت بشكل كلي على الاستيراد الخارجي للحاجيات الكمالية والرفاهية لكن في نفس الوقت لم تتخلى عن دعم المستوردات عن طريق البنك المركزي وتمويلها بالسعر النظامي للدولار وكذلك دعم حوامل الطاقة والغذائيات إلى حد مقبول مما حقق في تلك الفترة رفاهية للمواطن واتجهت الحكومة إلى رفع الدعم بشكل مدروس الأمر الذي رفع الأسعار بشكل مدروس حتى بداية الحرب على سوريا في عام 2011.
بعد بداية الحرب لوحظ في السنة الثالثة للحرب أن هنالك أصوات كثيرة في الحكومة تطالب برفع الدعم عن الحاجيات الأساسية للمواطن من غذاء وحوامل للطاقة إضافة إلى الطلب بالتوقف عن دعم المستوردات لكن العقلاء من الحكومة لم يسيروا على هذا النهج بل استمر الدعم الخجول غير المجدي في احياناً كثيرة ليطال بعض الحاجيات الأساسية للمواطن.
وبشكل عام لا بد من تقسيم الدعم في سوريا في الوقت الحالي إلى عدة اقسام: القسم الأول وهو الدعم الصحي والذي ما زال مستمراً إلى حد بعيد ولا زال المواطن السوري يراجع المشافي العامة والقطاع الصحي العام بشكل متواصل وبدون دفع أي تكاليف ولو تم دفع تكاليف فهي رمزية لا تساوي 10% من القيمة الفعلية للمعالجة إضافة لذلك الدعم في القطاع التعليمي وبكافة مراحله فما زال هذا القطاع مدعوماً من قبل الدولة ولو أن التعليم الخاص قد أصبح له النصيب الأكبر في سوق التعليم نتيجة ما تقوم به الجهات القائمة على القطاع العام التعليمي من محاولة تفشيل هذا القطاع.
قطاع المحروقات وحوامل الطاقة ما زالت الحكومة تدعم هذا القطاع ولكن في طريقها إلى الابتعاد عن هذا الدعم ولعل أكبر ملاحظة على هذا الابتعاد ما عاناه المواطن السوري في السنوات الأخيرة سواء من شح المواد أو ارتفاع أسعار تلك المواد وإيجاد سعرين للمادة احدهما مدعوم والأخر حر إضافة إلى ما يعانيه المواطن من تأمين المواد البترولية والغاز.
عندما تتصاعد بعض الأصوات لتطالب برفع الدعم وتحويله إلى مبلغ مالي يدفع للموظفين في الدولة من خلال زيادة الرواتب بما يتوافق مع حجم الدعم لا بد من التوضيح لعدة أمور:
1- أن غالبية المواطنين ليسوا موظفين بالدولة وبالتالي لا يستفيدون من الدعم النقدي الذي تتحدث عنه بعض الأصوات في الحكومة.
2- وعلى فرض تحويل الدعم إلى مبلغ مالي ماهي تلك الالية التي يمكن أن توصل الدعم النقدي إلى مستحقيه.
3- السؤال الأهم: ما هو مبلغ الدعم الذي ستقدمه الدولة للمواطنين خاصة ضمن المتغيرات غير المسبوقة لسعر الصرف وغلاء المعيشة حيث أصبح راتب الموظف لا يكفيه مواد غذائية حتى العاشر من الشهر.
أمام هذا الوضع الغير مريح والغير سوي تأتي اقتراحات من هذا النوع لتسحب من المواطن البقية الباقية من احساسه لانتمائه للدولة وليترك في مهب الريح كطفل تخلى عنه ابويه ، بعد أن كان الدعم الحكومي هو الملاذ الآمن للمواطن الذي يدفعه بعيداً عن خط الجوع على الأقل.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: